فقال: يا رسولَ الله! لا عليك ألّا تدنو من هؤلاء الأخابث! قال: لِمَ؟ أظنُّك سمعتَ لي منهم أذىً! قال: نعم يا رسول الله. قال: لو رأوْني لم يقولُوا من ذلك شيئًا. فلمَّا دنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من حُصونهم، قال: يا إخوان القِردة، هل أخزاكم الله، وأنزل بكم نقمته! قالوا: يا أبا القاسم، ما كنتَ جهولًا. ومرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه بالصَّوْرَين قبل أن يصلَ إلى بني قُرَيظة، فقال: هل مرَّ بكم أحد؟ فقالوا: نعم يا رسولَ الله، قد مَرَّ بنا دحْيَةُ بن خليفة الكلبيّ، على بغلة بيضاء، عليها رِحالة عليها قطيفة دِيباج، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ذلك جبريل، بُعِثَ إلى بني قريظة يُزَلْزِلُ بهم حصونَهم، ويقذِف الرّعب في قلوبهم. فلمَّا أتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة، نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم، يقال لها: بئر أنا؛ فلاحق به النَّاس، فأتاه رجالٌ من بعد العشاء الآخرة، ولم يُصلّوا العصرَ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلّين أحدٌ العصر إلَّا في بني قريظة، لشيء لم يكن لهم منه بُدٌّ من حربهم؛ وأبوا أن يُصلّوا، لقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: حتَّى تأتُوا بني قُرَيظة، فِصلُّوا العصر بها بعد العشاء الآخرة. فما عابهم الله بذلك في كتابه؛ ولا عنَّفهم به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. والحديث عن محمَّد بن إسحاق، عن أبيه، عن مَعْبَد بن كعب بن مالك الأنصاريّ.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وحاصرهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين ليلة؛ حتى جَهَدهم الحِصار؛ وقذف الله في قلوبهم الرّعب -وقد كان حُيَيُّ بن أخطب دخلَ علي بني قُريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاءً لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه- فلما أيقنوا أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - غيرُ منصرف عنهم حتَّى يناجزَهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنَّه قد نزل بكم من الأمر ما تروْن، وإني عارض عليكم خِلالًا ثلاثًا فخذوا أيّها شئتم! قالوا: وما هنَّ؟ قال: نتابع هذا الرجل ونُصَدّقه؛ فوالله لقد كان تبيَّن لكم أنَّه لَنبيّ مرسل، وأنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمَنُوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدًا، ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه عليّ فَهلم فلنقتل أبناءَنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالًا مُصْلِتين السيوف؛ ولم نترك وراءَنا ثَقَلًا يهمّنا؛ حتى يحكم الله بيننا وبين محمَّد؛ فإن نهلك نهلِك ولم نترك وراءنا شيئًا نخشى عليه، وإن نظْهر