يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧)}، ولم يُقْبَل منه في الدنيا عَمَلٌ حتى يقرّ به؛ ولم يُقْبَلْ منه في الآخرة صَرْف ولا عَدْلٌ. وقد بلغني رجوعُ مَنْ رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به؛ اغترارًا بالله، وجهالةً بأمره، وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)}. وقال: {إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (٦)}؛ وإنّي بعثتُ إليكم فلانًا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرتُه ألّا يقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوَه إلى داعية الله؛ فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمِل صالحًا قَبِلَ منه وأعانه عليه؛ ومَنْ أبي أمَرتُ أن يقاتلَه على ذلك؛ ثم لا يبقي على أحد منهم قَدَر عليه، وأن يُحرقهم بالنار، ويقتلهم كلّ قِتْلة، وأن يَسبيَ النساء والذراريّ، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام؛ فمَن اتّبعه فهو خير له، ومَنْ تركه فلن يعجِز الله. وقد أمرتُ رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم؛ والداعية: الأذان؛ فإذا أذّن المسلمون فأذَّنوا كُفّوا عنهم؛ وإن لم يؤذّنوا عاجلوهم؛ وإن أذَّنوا اسألوهم ما عليهم؛ فإن أبوْا عاجلوهم، وإن أقرّوا قبل منهم؛ وحملهم على ما ينبغي لهم.
فنفذت الرُّسل بالكتب أمام الجنود، وخرجت الأمراء ومعهم العهود:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا عهدٌ من أبي بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال مَن رجع عن الإسلام، وعهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع في أمره كلِّه سرّه وعلانيته، وأمره بالجدّ في أمر الله، ومجاهدة مَنْ تولّى عنه، ورجع عن الإسلام إلى أمانيّ الشيطان بعد أن يُعذِر إليهم فيدعوَهم بداعية الإسلام؛ فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شنّ غارته عليهم حتى يقرُّوا له؛ ثم ينبئهم بالذي عليهم والَّذي لهم، فيأخذ ما عليهم، ويعطيهم الذي لهم؛ لا يُنظرهم، ولا يردّ المسلمين عن قتال عدوّهم؛ فمن أجاب إلى أمر الله عزّ وجلّ وأقرّ له قبِل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف؛ وإنما يقاتل مَن كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله؛ فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسرّ به، ومَن لم يجب داعية الله قُتِل وقوتل حيث كان؛ وحيث بلغ مراغمه، لا يقبل من أحد شيئًا أعطاه إلا الإسلام، فمَن أجابه وأقرّ قبل منه وعلمه، ومَنْ أبي قاتله؛ فإن أظهره الله عليه قتل منهم كلّ قتلة بالسلاح والنيران،