أرَى رَهْبَةَ الأعداءِ منِّي جَرَاءَةً ... ويبكي إذا ما النفسُ يُوحى ضميرها
وقال قيس عند استقبال العلاء بالصدقة:
ألا أَبْلِغا عنِّي قريشًا رسالةً ... إذا ما أتتَها بيِّناتُ الودائعِ
حَبَوْتُ بها في الدَّهر أعراضَ مِنْقَرٍ ... وأيأَسْتُ منها كلّ أطْلَس طامعِ
وَجَدْتُ أبي والخال كانا بنجوة ... بقاعٍ فلم يحْلُلْ بها مَنْ أدافِعُ
فأكرمه العلاءُ، وخرج مع العَلاء بن عمرو وسعد الرّباب مثل عسكره، وسلك بنا الدَّهْناء؛ حتى إذا كنا في بُحْبُوحتها والحَنَّانات والعَزَّافاتُ عن يمينه وشماله، وأراد الله عزّ وجلّ أن يرينا آياته نزَل وأمر الناس بالنّزول، فنَفرت الإبل في جُوْف الليل؛ فَمَا بَقِيَ عندنا بعير ولا زادٌ ولا مزاد ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض الرمل، وذلك حين نزل الناس، وقبل أن يحطُّوا؛ فما علمت جمعًا هجم عليهم من الغَمّ ما هجم علينا وأوصَى بعضنا إلى بعض، ونادى منادي العَلاء: اجتمعوا، فاجتمعنا إليه، فقال: ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس: وكيف نلامُ ونحن إن بلغنا غدًا لم تحْمَ شمسُه حتى نصير حديثًا! فقال: أيّها الناس؛ لا تُراعوا، ألَسْتم مسلمين! ألستم في سبيل الله! ألستم أنصار الله! قالوا: بلى، قال: فأبشروا؛ فوالله لا يَخْذُل الله من كان في مثل حالكم! ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلَع الفجر فصلَّى بنا، ومنَّا المتيمِّم، ومنَّا من لم يزل على طَهُوره؛ فلمَّا قضى صلاته جثا لرُكْبَتَيه وجَثَا النَّاس، فنصب في الدّعاء ونصبوا معه؛ فلمع لهم سرابُ الشمس؛ فالتفت إلى الصّفّ، فقال: رائد ينظر ما هذا؟ ففعل ثم رجع، فقال: سراب، فأقبل على الدّعاء، ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر، فقال: ماء، فقام وقام الناس، فمشينا إليه حتى نزلْنا عليه، فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النَّهار حتى أقبلت الإبل تكْرَد من كلّ وجه، فأناخت إلينا، فقام كلّ رجل إلى ظهره، فأخذه، فما فقدنا سِلْكًا فأرويناها وأسقيناها العَلَل بعد النّهَلِ؛ وتَرَوّينا ثم تروّحنا -وكان أبو هريرة رفيقي- فلمّا غِبْنَا عن ذلك المكان، قال لي: كيف علمُك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد قال: فكن معي حتى تقيمني عليه، فكررتُ به، فأتيت به على ذلك المكان بعينه؛ فإذا هو لا غديرَ به، ولا أثر للماء، فقلت له: والله لولا أنّي لا أرى الغدير لأخبرتك أنّ هذا هو المكان؛