للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنفَحَها فأطنَّها من الفَخذ، وتركه، فقال: أجهز عليّ، فقال: إني أحبّ ألا تموت حتى أمضَّك. -وكان مع عَفيف عدّة من ولد أبيه، فأصيبوا ليلتئذ- وجعل الحطم لا يمر به في الليل أحدٌ من المسلمين إلّا قال: هل لك في الحُطَم أن تقتله؟ ويقول: ذاك لمن لا يعرفه، حتى مرّ به قيس بن عاصم، فقال له ذلك، فمال عليه فقتله، فلمَّا رأى فخذَه نادرةً، قال: واسوأتاه! لو علمت الَّذي به لم أحرّكه؛ وخرج المسلمون بعد ما أحرزوا الخندق على القوم يطلبونهم، فاتَّبعوهم، فلحق قيس بن عاصم أبجر -وكان فرس أبجر أقوى من فرس قيس- فلمَّا خشيَ أن يفوتَه طعنه في العُرقوب فقطع العَصَب، وسَلِم النَّسَا؛ فكانت رادّة، وقال عُفيف بن المنذر:

فإنْ يرقَأ العرقوبُ لا يرْقأ النّسَا ... وما كُلُّ مَنْ يهْوى بذلك عالِمُ

ألم ترَ أنَّا قد فَللْنا حُمَاتَهمْ ... بأسْرَةِ عمرو والرِّبابِ الأكارِمِ

وأسرَ عفيف بن المنذر الغَرور بن سويد، فكلّمتْه الرّباب فيه، وكان أبوه ابن أخت التَّيْم، وسألوه أن يُجيره، فقال للعلاء: إني قد أجَرْت هذا، قال: ومَنْ هذا؟ قال: الغَرُور، قال: أنت غررت هؤلاء، قال: أيّها الملك، إني لستُ بالغَرور؛ ولكني المغرور، قال: أسْلِمْ، فأسلم، وبقي بهجَر، وكان اسمه الغَرور، وليس بلَقب؛ وقتل عفيف المنذر بن سويد بن المنذر، أخا الغرور لأمِّه، وأصبح العَلاء فقسّم الأنفال، ونفَّل رجالًا من أهل البلاء ثيابًا، فكان فيمن نفَّل عفيف بن المنذر، وقيس بن عاصم، وثمامة بن أثال؛ فأمّا ثمامة فنُفِّل ثيابًا فيها خميصة ذات أعلام، كان الحُطم يُباهي فيها، وباع الثياب. وقصد عُظْمُ الفُلّال لدارين، فركبوا فيها السفن، ورجع الآخرون إلى بلاد قومهم؛ فكتب العلاء بن الحضرميّ إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل فيهم، وأرسل إلى عُتَيبة بن النَّهَّاس وإلى عامر بن عبد الأسود بلزوم ما هم عليه والقعود لأهل الردّة بكلّ سبيل، وأمر مسْمَعًا بمبادرتهم، وأرسل إلى خَصَفة التميميّ والمثنَّى بن حارثة الشيبانيّ، فأقاموا لأولئك بالطريق، فمنهم مَنْ أناب، فقبلوا منه واشتملوا عليه؛ ومنهم مَنْ أبي ولَجّ فمنع من الرجوع، فرجعوا عَوْدَهم على بدئهم؛ حتى عَبَرُوا إلى دارين، فجمعهم الله بها، وقال في ذلك رجل من بني ضُبيعة بن عجل، يدْعَى وهبًا، يعيّر مَن ارتدّ من بكر بن وائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>