وإنّ ذَا الحيَّ من بَكرٍ وإنْ كثروا ... لأُمَّةٌ داخلون النارَ في أممِ
فالنّخلُ ظاهره خَيلٌ وباطنه ... خيلٌ تَكَدَّسُ بالفِتيان في النِّعمِ
وأقفل العلاء بن الحضرميّ الناس، فرجع النَّاس إلّا مَن أحبّ المقام، فقفلنا وقَفَل ثُمامة بن أثال؛ حتى إذا كنَّا على ماء لبني قَيس بن ثعلبة؛ فرأوا ثمامة، ورأوا خَميصة الحُطَم عليه دسُّوا له رجلًا، وقالوا: سله عنها كيف صارت له؟ وعن الحطم: أهو قتله أو غيره؟ فأتاه، فسأله عنها، فقال: نُفلْتُها. قال: أأنت قتلت الحُطَم؟ قال: لا، ولوددت أني كنت قتلته، قال: فما بال هذه الخميصة معك؟ قال: ألم أخبرك! فرجع إليهم فأخبرهم، فتجمَّعوا له، ثم أتوه فاحْتَوَشُوه؛ فقال: ما لكم؟ قالوا: أنت قاتل الحُطَم؟ قال: كذبتم، لستُ بقاتِله ولكني نفَلتها، قالوا: هل ينفَّل إلّا القاتل! قال: إنها لم تكن عليه، إنما وُجِدَتْ في رَحْله، قالوا: كذبت. فأصابوه.
قال: وكان مع المسلمين راهبٌ في هَجَر؛ فأسلم يومئذ فقيل: ما دعاك إلى الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء، خشيت أن يمسخني الله بعدَها إن أنا لم أفعل: فَيضٌ في الرمال، وتمهيد أثباج البحار، ودعاءٌ سمعته في عسكرهم في الهواء من السَّحَر. قالوا: وما هو؟ قال: اللهمّ أنتَ الرّحمن الرّحيم؟ لا إله غيرُك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، والحيّ الذي لا يموت، وخالق ما يُرَى وما لا يُرَى، وكلّ يوم أنت في شأن، وعَلِمتَ اللهمّ كلّ شيء بغير تَعَلُّم؛ فعلمت أنّ القوم لم يُعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله. فلقد كان أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعون من ذلك الهَجَريّ بعد.
وكتب العلاء إلى أبي بكر: أما بعدُ: فإنّ الله تبارك وتعالى فَجَّر لنا الدَّهناءَ فيضًا لا تُرَى غواربه، وأرانا آية وعبرة بعد غمّ وكرب، لنحمد الله ونمجّده، فادعُ الله واستنصرْه لجنوده وأعوان دينه.
فحمد أبو بكر الله ودعاه، وقال: ما زالت العرب فيما تحدّث عن بلدانها يقولون: إنّ لقمان حين سُئِل عن الدّهناء: أيحتقرونها أو يَدَعونها؟ نهاهم، وقال: لا تبلغها الأرْشِيَة، ولم تقرّ العيون؛ وإن شأن هذا الفَيض من عظيم الآيات، وما سمعنا به في أمَّة قبلها. اللهمّ أخلف محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فينا.