٨٥ - فأمَّا أمْر عُمان فإنَّه كان - فيما كتب إليَّ السريّ بن يحيى يخبرني عن شُعيب، عن سَيْف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد والغصن بن القاسم وموسى الجليوسيّ عن ابن مُحَيْريز، قال: نبغ بعمان ذو التَّاج لَقيط بن مالك الأزديّ، وكان يسامي في الجاهليَّة الجُلَنْدَى؛ وادَّعى بمثل ما ادّعى به مَنْ كان نبيًّا ,غلب على عُمَان مرتدًّا، وألجأ جَيْفَرًا وعبّادًا إلى الأجبال والبحر؛ فبعث جَيْفر إلى أبي بكر يخبره بذلك، ويستجيشه عليه. فبعث أبو بكر الصّدّيق حُذَيفة بن محصن الغَلْفانيّ من حمير، وعَرْفجةَ البارقيّ من الأزد؛ حذيفة إلى عُمَان وعرفجة إلى مَهْرة. وأمرهما إذا اتَّفقا أن يجتمعا على مَن بُعثا إليه، وأن يبتدئا بعُمان، وحُذيفة على عَرْفجة في وجْهِه، وعَرْفَجة على حذيفة في وجهه. فخرجا متساندين، وأمرهما أن يُجدَّا السَّيْرَ حتى يقدَما عُمان؛ فإذا كان منها قريبًا كاتَبا جَيْفَرًا وعبّادًا؛ وعملا برأيهما. فمضيا لما أمرا به؛ وقد كان أبو بكر بعث عِكْرمة إلى مُسَيْلمة باليمامة، وأتبعه شُرحبيل بن حَسَنة، وسمَّى لهما اليَمامة؛ وأمرِهما بما أمر به حُذيفة وعَرْفجة. فبادر عِكرمة شُرَحْبيل، وطلب حُظْوَةَ الظَّفرَ، فنكبه مُسَيْلمة؛ فأحجم عن مُسيلمة، وكتب إلى أبي بكر بالخَبر، وأقام شُرَحبيل عليه حيث بلغه الخبَر، وكتب أبو بكر إلى شُرَحْبيل بن حَسَنة؛ أن أقم بأدنى اليَمامة حتى يأتيَك أمري، وتَرَك أن يُمْضيَه لوجهه الذي وجَّهه له؛ وكتب إلى عكْرِمة يُعَنِّفه لتسرُّعه، ويقول: لا أرَينّك ولا أسمعنّ بك إلّا بعد بلاء، والحقْ بعُمَان حتى تقاتل أهلَ عُمان، وتُعين حُذيفة وعَرْفجة، وكلّ واحد منكم على خَيْله، وحذيفة ما دُمتم في عمله على النَّاس، فإذا فرغتم فامضِ إلى مَهْرة، ثم ليكُنْ وجهُك منها إلى اليَمن؛ حتى تُلاقيَ المهاجر بن أبي أمية باليمن وبحضرموت، وأوطئ مَنْ بين عمان واليمن ممنْ ارتدّ؛ وَلْيَبْلُغني بلاؤك.
فمضى عِكْرمة في أثَرِ عَرْفجة وحُذيفة فيمَن كان معه حتَّى لحق بهما قبل أن ينتهيَا إلى عُمان، وقد عهد إليهم أن ينتهوا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ في السَّيْر معه أو المقام بعُمان، فلمَّا تلاحقوا -وكانوا قريبًا من عُمَان بمكان يُدعى رجَامًا- راسلوا جَيْفَرًا وعَبَّادًا وبلغ لَقيطًا مجيء الجيش، فجمع جموعه وعسكر بدَبَا، وخرج جَيْفر وعبَّاد من موضعهما الَّذي كانا فيه، فعسكرا بصُحَار، وبعثا إلى حُذَيفة وعَرْفجة وعِكْرمة في القدوم عليهما، فقدموا عليهما بصُحَار، فاستبرؤوا