حتى اقتحم على مَهْرة بلادَها، فوافق بها جمعَيْن من مَهْرة: أمَّا أحدُهما فبمكان من أرض مَهْرة يقال له: جَيْرُوت، وقد امتلأ ذلك الحَيّز إلى نَضَدُون -قاعَيْن من قيعان مَهْرة- عليهم شخريت، رجل من بني شخراة؛ وأمَّا الآخر فبالنَّجد؛ وقد انقادت مَهْرة جميعًا لصاحب هذا الجمْع؛ عليهم المُصَبَّح؛ أحد بني مُحَارب والنَّاس كلُّهم معه؛ إلّا ما كان من شخريت، فكانا مختلفين؛ كلّ واحد من الرئيسين يدعو الآخر إلى نفسه، وكلّ واحد من الجُنْدين يشتهي أن يكون الفُلْج لرئيسهم؛ وكان ذلك ممَّا أعان الله به المسلمين وقوَّاهم على عدوّهم؛ ووهّنهم.
ولما رأى عِكْرِمة قلةَ مَنْ مع شخريت دعاه إلى الرجوع إلى الإسلام؛ فكان لأوّل الدعاء، فأجابه ووهَّن الله بذلك المصبَّح. ثم أرسل إلى المصبَّح يدعوه إلى الإسلام والرجوع عن الكفر؛ فاغترَّ بكثرة مَن معه، وازداد مباعدةً لمكان شخريت، فسار إليه عكْرِمة، وسار معه شخريت، فالتقوْا هم والمصبّح بالنَّجد؛ فاقتتلوا أشدّ من قتال دَبَا.
ثمَّ إنّ الله كشفَ جنودَ المرتدّين، وقتل رئيسَهم، وركبهم المسلمون فقتلوا منهم ما شاؤوا، وأصابوا ما شاؤوا، وأصابوا فيما أصابوا ألْفي نَجِيبة، فخمَّس عِكْرمة الفيء، فبعثَ بالأخماس مع شخريت إلى أبي بكر، وقسّم الأربعة الأخماس على المسلمين، وازداد عِكْرِمة وجنده قوّةً بالظَّهر والمَتَاع والأداة، وأقام عِكْرِمة حتَّى جمعهم على الذي يحبّ، وجمع أهل النَّجد؛ أهل رياض الروضة، وأهل الساحل؛ وأهل الجزائر؛ وأهل المُرّ واللّبان وأهل جيْروت، وظهور الشحْر والصَّبَرات، وينعب، وذات الخيم؛ فبايعوا على الإسلام، فكتب بذلك مع البشير -وهو السائب أحد بني عابد من مخزوم- فقدم على أبي بكر بالفَتْح، وقدم شخريت بعده بالأخماس، وقال في ذلك عُلْجُوم المحاربيّ: