للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وتقريبًا إلى ما إليه رغبوا، فإنهم قالوا: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَمَا أَنْتَ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَينَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قَال رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}. قال الله تعالى وهو السميع العليم: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره: أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين، فقوله ضعيف. وإنما عمدتهم شيئان: أحدهما: أنه قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَال لَهُمْ شُعَيبٌ} ولم يقل أخوهم كما قال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيبًا}. والثاني: أنه ذكر عذابهم بيوم الظلة، وذكر في أولئك الرجفة أو الصيحة.
والجواب عن الأول: أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيكَةِ الْمُرْسَلِينَ} لأنه وصفهم بعبادة الأيكة، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا، ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم، وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة.
وأما احتجاجهم بيوم الظلة، فإن كان دليلًا بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى، فليكن تعداد الانتقام بالرجفة والصيحة دليلًا على أنهم أمتان أخريان، وهذا لا يقوله أحد يفهم شيئًا من هذا الشأن. فأما الحديث الذي أورده الحافظ ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب عليه السلام، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن معاوية بن هشام، عن هشام بن سعد، عن شقيق بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا "إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهم شعيبًا النبي - عليه السلام -". فإنه حديث غريب. وفي رجاله من تكلم فيه. والأشبه أنه من كلام عبد الله بن عمرو. مما أصابه يوم اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار بني إسرائيل .. والله أعلم.
ثم قد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان، فدل على أنهم أمة واحدة، أهلكوا بأنواع من العذاب. وذكر في كل موضع ما يناسبه من الخطاب.
وقوله: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ذكروا أنه أصابهم حر شديد، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام، فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل، ولا دخولهم في الأسراب، فهربوا من محلتهم إلى البرية، فأظلتهم سحابة، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا فيها أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم صيحة من السماء، فأزهقت الأرواح، وأخرجت الأشباح.
{فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}، ونجى الله شعيبًا ومن معه من المؤمنين، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّينَا شُعَيبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}. =

<<  <  ج: ص:  >  >>