٢٠٦ - كتب إليّ السريّ بن يحمى عن شعيب، عن سيف، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد، قال: وتكلَّم المثنَّى بن حارثة، فقال: يا أيها الناس! لا يَعْظُمنّ عليكم هذا الوجه، فإنا قد تبحبحنا ريفَ فارس، وغلبناهم على خير شِقَّي السَّواد وشاطرناهم ونلنا منهم؛ واجترأ مَن قِبلنا عليهم، ولها إن شاء الله ما بعدها. وقام عمر رحمه الله في الناس، فقال: إنّ الحجاز ليس لكم بدار إلَّا على النُّجعة، ولا يقوَى عليه أهلُه إلّا بذلك؛ أين الطُرَّاء المهاجرون عن موعود الله؟ سيرُوا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثَكموها؛ فإنه قال:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، والله مظهر دينه، ومعزّ ناصِره، ومولي أهله مواريثَ الأمم. أين عباد الله الصالحون؟ !
فكان أوّل منتدب أبو عُبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد - أو سَليط بن قيس - فلمَّا اجتمعَ ذلك البعث، قيل لعمر: أمِّرْ عليهم رجلًا من السابقين من المهاجرين والأنصار. قال: لا والله لا أفعل؛ إنّ الله إنَّما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدوّ؛ فإذا جبنتم وكرهتم اللِّقاء؛ فأولى بالرياسة منكم مَن سبق إلى الدفع، وأجاب إلى الدعاء! والله لا أؤمّر عليهم إلّا أوّلَهم انتدابًا. ثم دعا أبا عُبيد، وسَلِيطًا وسعدًا؛ فقال: أما إنَّكما لو سبقتماه لولَّيتكما ولأدركتُما بها إلى ما لَكما من القُدْمة. فأمّر أبا عُبيد على الجيش، وقال لأبي عبيد: اسْمَع من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأشرِكْهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعًا حتى تتبيَّن؛ فإنها الحرب، والحرب لا يصلحها إلّا الرّجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكفّ.
وقال رجل من الأنصار: قال عمر رضي الله عنه لأبي عبيد: إنه لم يمنعني أن أؤمِّرَ سَليطًا إلّا سرعته إلى الحرب، وفي التسرّع إلى الحرب ضَياع إلّا عن بيان، والله لولا سرعتُه لأمّرتُه! ولكنّ الحرب لا يصلحها إلّا الْمَكِيث (١). (٣: ٤٤٤/ ٤٤٥).
(١) إسناده ضعيف، وفيه كذلك من الغمز والطعن في الصحابة السابقين من المهاجرين والأنصار ووصفهم بأنهم كانوا أقل سبقًا إلى العدو، والروايات التأريخية الصحيحة تثبت عكس ذلك بل إن من أسباب هزيمة المسلمين في بداية معركة الطائف هو اختلاطهم بأقوامٍ حديثي عهد بالإسلام ولسنا ندّعي بأن الصحابة هم المنتصرون دائمًا في كل معركة فهم بشر يصيبون ويخطئون وينتصرون ولا ينتصرون أحيانًا ولكنهم خير القرون وأزهدهم في الدنيا وأرغبهم في =