للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك، وكذلك كان، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَال إِنَّهُ مِنْ كَيدِكُنَّ إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي هذا الذي جرى من مكركن، أنت راودتيه عن نفسه، ثم اتهمتيه بالباطل.
ثم أضرب بعلها عن هذا صفحًا فقال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أي لا تذكره لأحد، لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها والتوبة إلى ربها، فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
{وَقَال نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاودُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالتِ اخْرُجْ عَلَيهِنَّ فَلَمَّا رَأَينَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إلا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قَال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٠ - ٣٤].
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز وعيبها، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلًا لهذا. ولهذا قلن: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ} أي بتشنيعهن عليها والتنقص لها، والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها، فأظهرن ذمًّا وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن، وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل ما لديهن. فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، وأعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت من جملة ذلك شيئًا مما يقطع بالسكاكين، كالأترج ونحوه، وآتت كل واحدة منهن سكينًا، وكانت قد هيأت يوسف - عليه السلام -، وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة.
{فَلَمَّا رَأَينَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه وهبنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم، وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إلا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وقد جاء في حديث الإسراء: "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن". قال السهيلي وغيره من الأئمة: معناه أنه كان على النصف من حسن آدم - عليه السلام -، لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه مِن روحه. فكان في غاية نهايات الحسن البشري. ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان على النصف من حسن آدم.
{قَالتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ثم مدحته بالعفة التامة فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>