معاوية في خيله إلى قيساريّة، وكتب إلى معاوية بإمرته على قتال أهل قيساريّة، وليشغلهم عن عمرو؛ وكان عمرو قد استعمل علْقمة بن حكيم الفراسيّ، ومسروق بن فلان العكّي على قتال أهل إيلياء، فصاروا بإزاء أهل إيلياء، فشغلوهم عن عمرو، وبعث أبا أيوب المالكيّ إلى الرّملة، وعليها التَّذَارِق، وكان بإزائهما، ولما تتابعت الأمداد على عمرو، بعث محمد بن عمرو مددًا لعلقمة ومسروق، وبعث عُمارة بن عمرو بن أميّة الضّمْريّ مددًا لأبي أيّوب، وأقام عمرو على أجناديْن لا يقدر من الأرطبون على سقطة، ولا تشفيه الرُّسل، فوليَه بنفسه، فدخل عليه كأنه رسول، فأبلغه ما يريد، وسمع كلامه، وتأمّل حصونَه حتى عرف ما أراد، وقال أرطبون في نفسه: والله إنّ هذا لعمرو، أو إنه لَلذي يأخذ عمرو برأيه؛ وما كنت لأصيب القوم بأمر أعظمَ عليهم من قتله. ثم دعا حرَسيًا فسارّه بقتله، فقال: اخرج. فقم مكان كذا وكذا، فإذا مرّ بك فاقتله، وفطِن له عمرو، فقال: قد سمعتَ منّي وسمعتُ منك، فأمّا ما قلتَه فقد وقع مني موقعًا؛ وأنا واحد من عشرة؛ بعثَنا عمر بن الخطاب مع هذا الوالي لنكانفه ويشهدنا أموره، فأرجع فآتيك بهم الآن، فإن رأوا في الذي عرضت مثلَ الذي أرى، فقد رآه أهل العسكر والأمير؛ وإن لم يروْه رددتَهم إلى مأمنهم، وكنتَ على رأس أمرك. فقال: نعم، ودعا رجلًا فسارّه، وقال: اذهب إلى فلان فردّه إليّ، فرجع إليه الرّجل وقال لعمرو: انطلق فجئ بأصحابك؛ فخرج عمرو ورأى ألّا يعود لمثلها، وعلم الرّوميّ بأنه قد خدعه، فقال: خدَعني الرّجُل؛ هذا أدهى الخلق. فبلغت عمر، فقال: غلبه عمرو، لله عمرو! وناهده عمرو، وقد عرف مأخذه وعاقبته، والتقوْا ولم يجد من ذلك بدًّا فالتقَوْا بأجناديْن، فاقتتلوا قتالًا شديدًا كقتال اليَرموك؛ حتى كثرت القتلى بينهم.
ثم إنّ أرطبون انهزم في الناس فأوى إلى إيلياء، ونزل عمرو أجناديْن. ولمّا أتى أرطبون إيلياء أفرج له المسلمون حتى دخلها، ثم أزالهم إلى أجناديْن، فانضمّ علقمة، ومسروق، ومحمد بن عمرو، وأبو أيّوب إلى عمرو بأجنادين، وكتب أرطبون إلى عمرو بأنك صديقي ونظيري؛ أنت في قومك مثلي في قومي؛ والله لا تفتتح من فلسطين شيئًا بعد أجناديْن، فارجع ولا تَغرّ فتلقَى ما لقي الذين قبلك من الهزيمة. فدعا عمرو رجلًا يتكلم بالروميّة، فأرسله إلى أرطبون، وأمره أن يُغرِب ويتنكّر، وقال: استمع ما يقول حتى تخبرَني به إذا رجعت إن شاء الله.