عبد الله الليثيّ وكَثير بن شهاب السعديّ أخا الغَلّاق حين عَبَر الصّراة، فيلحقون بأخرَيات القوم وفيهم فيومان والفَرّخان؛ هذا ميْسانيّ وهذا أهوازيّ، فقتل بكير الفرُّخان، وقتل كثير فيومان بسُّورا. ثمّ مضى زُهرة حتى جاوز سُورا، ثم نزل، وأقبل هاشم حتى نزل عليه، وجاء سعد حتى ينزل عليهم، ثم قدّم زُهرة، فسار تلقاء القوم، وقد أقاموا له فيما بين الدّير وكُوثَى، وقد تخلف النَّخيرجان ومِهران على جنودهما شهريار، دِهْقان الباب. ومَضَيا إلى المدائن، وأقام شهريار هنالك، فلما التقوْا بأكناف كُوثى -جيش شهريار وأوائل الخيل- خرج فنادى: ألا رجل، ألا فارس منكم شديد عظيم يخرج إليّ حتى أنكل به! فقال زُهرة: لقد أردت أن أبارزَك؛ فأمّا إذ سمعت قولك، فإنيّ لا أخرج إليك إلّا عبدًا؛ فإن أقمتَ له قتلك إن شاء الله ببغيك؛ وإن فررتَ منه فإنما فررت من عبد، وكايده؛ ثمّ أمر أبا نباتة نائل بن جُعشم الأعرجيَّ -وكان من شجعان بني تميم- فخرج إليه، ومع كلّ واحد منهما الرمح، وكلاهما وثيق الخَلْق، إلّا أنّ الشهريار مثل الجمل، فلمّا رأى نائلًا ألقى الرمح ليعتنقه، وألقى نائلٌ رمحه ليعتنقه، وانتضيا سيفيهما فاجتلدا، ثم اعتنقا فخرّا عن دابّتيهما، فوقع على نائل كأنه بيت، فضغطه بفخذه، وأخذ الخنجر وأراغ حلّ أزرار درعه، فوقعت إبهامه في فم نائل، فحطم عظمهما، ورأى منه فُتورًا، فثاوره فجلد به الأرض، ثم قعد على صدره، وأخذ خنجره، فكشف درعه عن بطنه، فطعنه في بطنه وجنبه حتى مات، فأخذ فرسه وسِواريه وسلَبه، وانكشف أصحابُه، فذهبوا في البلاد، وأقام زهرة بكوثَى حتى قدم عليه سعد، فأتى به سعدًا، فقال سعد: عزمت عليك يا نائل بن جعشم لما لبست سواريه وقَباءه ودِرْعه، ولتركبنّ بِرذونه! وغنّمه ذلك كلّه. فانطلق، فتدرّع سلبه، ثم أتاه في سلاحه على دابّته، فقال: اخلع سواريك إلّا أن ترى حربًا فتلبسهما؛ فكان أوّل رجل من المسلمين سُوِّر بالعراق (١).
٤٠٨ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد، وطلحة، والمهلّب، وعمرو، وسعيد، قالوا: فأقام سعد بكُوثَى أيامًا، وأتى المكان الذي جلس فيه إبراهيم عليه السلام بكُوثَى، فنزل جانب القوم الذين كانوا يبشّرون إبراهيم، وأتى البيت الذي كان فيه إبراهيم عليه السلام محبوسًا، فنظر