وكان كتاب عُمر إلى نُعيم بن مقرّن: أنْ سِرْ حتى تأتي هَمَذان، وابعث على مقدّمتك سُوَيد بن مقرّن، وعلى مجنّبتيك ربعيّ بن عامر، ومهلهل بن زيد، هذا طائيّ، وذاك تميميّ. فخرج نُعيم بن مقرّن في تعبيته حتى نزل ثنيّة العَسَل -وإنما سُمّيت ثنيّة العسل بالعسل الذي أصابوا فيها غبّ وقعة نهاوند حيث أتبعوا الفالّة- فانتهى الفيرُزان إليها، وهي غاصّة بحوامل تحمل العَسَل وغير ذلك؛ فحبست الفيرُزان حتى نزل؛ فتوقَّل في الجبل، وغارَ فرسُه فأدرك فأصيب. ولما نزلوا كِنْكِوَر؛ سرقتْ دوابّ من دوابّ المسلمين، فسمِّي قصر اللصوص.
ثم انحدر نُعيم من الثَّنيّة حتى نزل على مدينة هَمَذان، وقد تحصّنوا منهم، فحصرهم فيها، وأخذ ما بين ذلك وبين جَرْميذان، واستولوا على بلاد هَمَذان كلها. فلما رأى ذلك أهلُ المدينة سألوا الصّلح، على أن يُجريهم ومن استجاب مُجرىً واحدًا، ففعل، وقبل منهم الجزاء على المنَعة، وفرّق دَسْتَبَي بين نفر من أهل الكوفة، بين عصمة بن عبد الله الضبّيّ، ومهلهل بن زيد الطائيّ، وسِماك بن عُبَيد العبسيّ، وسِماك بن مخرمة الأسديّ، وسِمَاك بن خرَشة الأنصاريّ؛ فكان هؤلاء أوّل من وَلِيَ مسالح دَسْتَبي، وقاتل الدّيلَم.
رجع الحديث إلى حديث سيف: قال: فبينما نُعيم في مدينة هَمَذان في توطئتها في اثني عشر ألفًا من الجنْد تكاتب الدَّيْلم وأهل الرّي وأهِل أذْرَبيجان، ثم خرج موتا في الدّيلم حتى ينزل بواج رُوذ؛ وأقبَلَ الزينبيّ أبو الفرُّخَان في أهل الرّيّ حتى انضمّ إليه، وأقبل إسْفَنْدياذ أخو رُسْتم في أهل أذْرَبيجان؛ حتى انضمّ إليه، وتحصّن أمراء مسالح دَسْتَبي، وبعثوا إلى نعيم بالخبر، فاستخلف يزيد بن قيس، وخرج إليهم في الناس حتى نزل عليهم بواج الرّوذ، فاقتتلوا بها قتالا شديدًا؛ وكانت وقعة عظيمة تعدِل نهاوند؛ ولم تكن دونها، وقتل من القوم مقتلة عظيمة لا يحصَوْن ولا تقصر ملحمتهم من الملاحم الكبار؛ وقد كانوا كتبوا إلى عمر باجتماعهم، ففزع منها عمر، واهتمّ بحربها، وتوقع ما يأتيه عنهم، فلم يفجأه إلّا البريد بالبِشارة، فقال: أبشير! فقال: بل عروة؛ فلما ثنى عليه: أبشير؟ فطن، فقال: بشير؛ فقال عمر: رسول نُعَيم؟ قال: رسول نُعَيم، قال: الخبر؟ قال: البشرى بالفتح والنصر؛ وأخبره الخبر؛ فحمِد الله، وأمر بالكتاب فقرئ على الناس؛ فحمِدوا الله. ثم قدِم سِماك بن مَخْرمة، وسِماك بن عُبيد،