لا أراني إلَّا تارككما وطالبًا وجهًا هو أكره من هذا. فاستعفى عمر، فكتب إليه بالإذن على أن يتقدّم نحو الباب، وأمره أن يستخلف على عمله، فاستخلف عُتبة على الذي افتتح منها، ومضى قُدمًا، ودفع إسفندياذ إلى عُتبة، فضمّه عُتبة إليه، وأمّر عُتْبة سماك بن خَرشة - وليس بأبي دُجَانة - على عمل بُكير الذي كان افتتح، وجمع عمر أذْرَبيجان كلَّها لعتبة بن فرقد.
قالوا: وقد كان بَهْرام بن الفرُّخزاذ أخذ بطَرِيق عُتبة بن فرقد، وأقام له في عسكره حتى قدم عليه عُتْبة، فاقتتلوا، فهزمه عُتْبة، وهرب بَهرام، فلما بلغ الخبر بهزيمة بَهْرام ومهر به إسفندياذ وهو في الإسار عند بُكير، قال: الآن تمّ الصّلح، وطفئت الحرب، فصالحه، وأجاب إلى ذلك كلهم، وعادت أذْرَبيجان سِلْمًا، وكتب بذلك بُكير وعُتْبة إلى عُمر، وبعثوا بما خمّسوا مما أفاء الله عليهم، ووفّدوا الوفود بذلك؛ وكان بُكَير قد سبق عُتْبة بفتح ما ولي، وتمّ الصلح بعد ما هزم عتبة بَهْرام. وكتب عُتبة بينه وبين أهل أذْرَبيجان كتابًا حيث جُمع له عمر بكير إلى عمله:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عُتْبة بن فرقد - عاملُ عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين - أهل أذْرَبيجان - سهلها، وجبلها، وحواشيها، وشفارِها، وأهل ملَلها - كلّهم الأمان على أنفسهم، وأموالهم، ومللهم، وشرائعهم؛ على أن يؤدّوا الجزية على قَدْر طاقتهم، ليس على صبيّ، ولا امرأة، ولا زَمِنٍ ليس في يديه شيء من الدنيا، ولا متعبّد متخل ليس في يديه من الدنيا شيء، لهم ذلك ولمن سكن معهم، وعليهم قِرى المسلم من جنود المسلمين يومًا وليلة ودلالته، ومَنْ حُشِر منهم في سنة وضع عنه جِزاء تلك السنة، ومن أقام فله مثل ما لمن أقام من ذلك، ومَنْ خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حِرْزه. وكتب جندب، وشهد بكير بن عبد الله الليثي، وسماك بن خرشة الأنصاريّ. وكتب في سنة ثماني عشرة.
قالوا: وفيها، قدم عتبة على عمر بالخَبيص الذي كان أهداه له، وذلك: أنّ عمر كان يأخذ عمّاله بموافاة الموسم في كلّ سنة يحجُر عليهم بذلك الظلم، ويحجزهم به عنه.