إمارة عثمان؛ نزل بأبي ذَرّ؟ فلما أشرف؛ قال لابنته: استشرِفي يا بنيّة، فانظري هل تريْن أحدًا؟ ! قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعدُ، ثم أمرها فذبحت شاة، ثم طبختها، ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إنّ أبا ذرّ يقسم عليكم ألّا تركبوا حتى تأكلوا؛ فلمّا نضجت قدرُها قال لها: انظري هل ترين أحدًا؟ قالت: نعم؛ هؤلاء ركْب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة. ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم خرجت ابنته، فتلقّتهم، وقالت: رحمكم الله! اشهدوا أبا ذرّ - قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه وقد مات - فادفنوه، قالوا: نعم ونعمةَ عيْن! لقد أكرمَنا الله بذلك؛ وإذا ركبٌ من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود، فمالوا إليه وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يموت وحدَه، ويُبعث وحده"؛ فغسلوه، وكفَّنوه، وصلَّوا عليه، ودفنوه، فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم: إنّ أبا ذرّ يقرأ عليكم السلام، وأقسم عليكم ألّا تركبوا حتّى تأكلوا، ففعلوا، وحملوهم حتى أقدموهم مكّة، ونعوْه إلى عثمان، فضمّ ابنته إلى عياله، وقال: يرحمُ الله أبا ذرّ، ويغفر لرافع بن خَدِيج سكونَه (١). (٤: ٣٠٨).
٧٦٦ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن القعقاع بن الصلت، عن رجل، عن كُليب بن الحَلْحال، عن الحلحال بن ذُرِّيّ، قال: خرجنا مع ابن مسعود سنة إحدى وثلاثين؛ ونحن أربعة عشر راكبًا؛ حتى أتينا على الرَّبَذة؛ فإذا امرأة قد تلقّتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذرّ - وما شعرنا بأمره ولا بلغنا - فقلنا: وأين أبو ذرّ؟ فأشارت إلى خِباء، فقلنا: مَالَه؟ قالت: فارق المدينة لأمر قد بلغه فيها، ففارقها. قال ابن مسعود: ما دعاه إلى الإعراب؟ فقالت: أما إن أمير المؤمنين قد كره ذلك؛ ولكنه كان يقول: هي بَعَدٌ، وهي مدينة. فمال ابن مسعود إليه وهو يبكي، فغسلناه وكفّناه؛ وإذا خباء منضوخ بمسْك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ فقالت: كانت مِسْكة، فلما حُضِر قال: إن الميّت يحضُره شهود يجدون الرِّيح؛ ولا يأكلون، فَدُوفي تلك المسكة بماء، ثم رشِّي بها الخباء، فاقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم؛ فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفْني، فاقْريهم؛ فلما دفنّاه؛ دعتنا إلى الطعام فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير