أفاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومِك! واللهُ ما يزيد أوفاكم فيه نصيبًا إلا أن يكون كأحدنا، وتكلم معه القوم.
قال: فقال عبد الرحمن الأسديّ - وكان على شُرْطة سعيد: أتردّون على الأمير مقالَته! وأغلظ لهم، كقال الأشتر: مَن ها هنا؟ لا يفوتنكم الرجل؛ فوثبوا عليه فوطؤوه وطأً شديدًا، حتى غُشي عليه، ثم جُرّ برجله فألقِيَ، فنضح بماء فأفاق، فقال له سعيد: أبك حياة؟ فقال: قتلني مَن انتخبت -زعمت- للإسلام، فقال: والله لا يسمُر منهم عندي أحد أبدًا، فجعلوا يجلسون في مجالسهم وبيوتهم يشتمون عثمان وسعيدًا؛ واجتمع الناس إليهم، حتى كثر من يختلف إليهم. فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك، ويقول: إنّ رهطًا من أهل الكوفة -سمّاهم له عشرة- يؤلّبون ويجتمعون على عيبك وعيبي والطعن في ديننا، وقد خشيت إن ثبت أمرهم أن يكثروا؛ فكتب عثمان إلى سعيد: أن سيّرهم إلى معاوية -ومعاوية يومئذ على الشأم- فسترهم -وهم تسعة نفر- إلى معاوية؛ فيهم مالك الأشتر، وثابت بن قيس بن مُنْقَع، وكُمَيل بن زياد النخعيّ، وصعصعة بن صُوحان.
ثم ذكر نحو حديث السريّ عن شعيب؛ إلّا أنه قال: فقال صعصعة: فإن اختُرقت الجُنَّة، أفليس يُخْلَص إلينا؟ فقال معاوية: إنّ الجُنة لا تخترَق، فضعْ أمر قريش على أحسن ما يحضرك.
وزاد فيه أيضًا: إنّ معاوية لما عاد إليهم من القابلة وذكرهم؛ قال فيما يقول: وإني والله ما آمركم بشيء إلّا قد بدأتُ فيه بنفسي وأهل بيتي وخاصّتي؛ وقد عرفتْ قريش: أن أبا سفيان كان أكرمَها وابن أكرمها، إلّا ما جعل الله لنبيّه نبيّ الرحمة - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الله انتخبه وأكرمه، فلم يخلق في أحد من الأخلاق الصالحة شيئًا إلا أصفاه الله بأكرمها وأحسنها؛ ولم يخلق من الأخلاق السيّئة شيئًا في أحد إلا أكرمه الله عنها ونزّهه؛ وإني لأظن أن أبا سفيان لو ولد الناسَ لم يلد إلا حازمًا. قال صعصعة: كذبت! قد ولدَهم خير من أبي سفيان؛ مَن خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البرّ والفاجر، والأحمق والكيّس. فخرج تلك الليلة من عندهم، ثم أتاهم القابلة، فتحدّث عندهم طويلًا، ثم قال: أيُّها القوم! ردّوا عليّ خيرًا، أو اسكتوا، وتفكروا،