للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله، ولم يسأل زوالها بالكلية. قال الحسن البصري: والرسل إنما يسألون بحسب الحاجة، ولهذا بقيت في لسانه بقية.
ولهذا قال فرعون - قبحه الله - فيما زعم أنه يعيب به الكليم: {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} أي يفصح عن مراده، ويعبر عما في ضميره وفؤاده. ثم قال موسى - عليه السلام -: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَي نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥) قَال قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى}.
أي: قد أجبناك إلى جميع ما سألت، وأعطيناك الذي طلبت. وهذا من وجاهته عند ربه عز وجل، حين شفع أن يوحي الله إلى أخيه فأوحى إليه. وهذا جاه عظيم، قال الله تعالى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}، وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}.
وقد سمعت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - رجلًا يقول لأناس وهم سائرون في طريق الحج: أي أخ آمن على أخيه؟ فسكت القوم، فقالت عائشة لمن حول هودجها: هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هارون فأوحى إليه. قال الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا}.
وقال تعالى في سورة الشعراء: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١) قَال رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قَال كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧) قَال أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: ١٠ - ١٩].
تقدير الكلام: فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن يفك أسر بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاؤوا ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه.
فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى، ونظر إلى موسى بعين الازدراء والتنقص قائلًا له: {قَال أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} أي أما أنت الذي ربيناه في منزلنا؟ وأحسنا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟ .
وهذا يدل على أن فرعون الذي بعث إليه هو الذي فر منه، {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا وجحدت نعمتنا.
{قَال فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي قبل أن يوحى إليَّ وينزل عليّ، {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
ثم قال مجيبًا لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي وهذه النعمة التي ذكرت، من أنك أحسنت إليَّ وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك. =

<<  <  ج: ص:  >  >>