الطرق التي حصل عليها الطبري للوصول إلى تفاصيل الأحداث ولكن هذا الاستغراب يزول إذا ما تذكرنا كثرة أسفاره رحمه الله بين طبرستان وبغداد والكوفة والبصرة ودمشق ومصر والحجاز مما سهّل له الالتقاء بجمع غفير من الشيوخ أصحاب الميول المختلفة والمنتمون إلى مدارس عدّة.
٤ - استطاع الطبري رحمه الله أن يحافظ على حياديته كمؤرخ ثقة لا تجتذبه الميول إلى هذا التيار أو ذاك حتى أنه وهو السني في مذهبه نقل كثيرًا من روايات الشيعة والرافضة والمعتزلة والقدرية بينما لم يستطع كثيرون من الكبار أن يكونوا حياديين فاليعقوبي إمامي شيعي في تأريخه والمسعودي لم يستطع المحافظة على حياديته كمؤرخ وهكذا يقول شاكر مصطفى لم يمل الطبري مع أيّ هوى في إيراد الأخبار التأريخية الإسلامية وكان حياده في الغالب عن ورع ودقة علمية (١).
اعتبر الطبري التأريخ الإسلامي ممتدًا من نزول آدم وهبوطه على الأرض ثم مرورًا يقصص الأنبياء وتأريخهم إلى مبعث خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وعروجًا على سيرته وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده وتأريخ الخلافة في عهد الأمويين وأخيرًا تاريخ الخلافة في عهد العباسيين.
وهذا الصنيع من الطيري تفسير إسلامي للتأريخ نابع من الثوابت المؤكدة في الكتاب والسنة فآدم أبو البشر ونوح أبو الأنبياء والأنبياء كلهم موحدون وإبراهيم - عليه السلام - هو الذي أطلق كلمة مسلم على الأمة كما قال تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} والطبري بذلك صاحب نظرة عالمية إلى التاريخ ولذلك لا نتفق مع الأستاذ شاكر مصطفى في كتابه القيّم (التأريخ العربي والمؤرخون) حين يقول:
كان فهمه للتأريخ العالمي أضيق من فهم بعض المؤرخين السابقين له كاليعقوبي مثلًا أو ابن قتيبة فتأريخ العالم عنده محدود بالخط الذي يصل ما بين الأنبياء والعهد الجاهلي عبر الساسانيين وتاريخ اليمن ثم يأتي التأريخ الإسلامي تتويجًا ضخمًا لكل ذلك التاريخ.