البصرة، ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأيٌ، ولا حزم، ولا استقلال بحرب. وافترق الناس بها، فاتّبعت فرقةٌ القومَ، ودخلت فرقةٌ في الجماعة، وفرقةٌ قالت: ننظرُ ما يصنع أهلُ المدينة، فنصنع كما صنعوا. وأمّا عُمارة فأقبل حتى إذا كان بزُبالة؛ لقيه طليحة بن خُويلد؛ وقد كان حين بلغهم خبرُ عثمان خرج يدعو إلى الطلب بدمه، ويقول: لهفي على أمْرٍ لم يسبقني، ولم أدْرِكْهِ!
يا لَيتَني فيها جَذَعْ ... أكرُّ فيها وأضَعْ
فخرج حين رجع القعقعاعُ من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفَة، فطلع عليه عُمارة قادمًا على الكوفة، فقال له: ارجع فإنّ القومَ لا يريدون بأميرهم بدلًا، وإن أبيت؛ ضربتُ عنقَك. فرجعَ عمارة وهو يقول: احذر الخطَر ما يماسُّكَ، الشرُّ خير من شرّ منه.
فرجع إلى عليّ بالخبر، وغلب على عُمارة بن شهاب هذا المثلُ من لدُنْ اعتاصَت عليه الأمور إلى أن مات. وانطلق عبيدُ الله بن عباس إلى اليَمن، فجمع يَعْلَى بن أميّة كلّ شيء من الجباية، وتركه، وخرج بذلك وهو سائرٌ على حاميته إلى مكة فقَدِمَها بالمال. ولما رجع سهلُ بن حُنيف من طريق الشأم، وأتَتْه الأخبار، ورجِع من رجع؛ دعا عليٌّ طلحةَ والزُّبير، فقال: إنّ الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم! وإنّ الأمر الذي وقع لا يُدرَك إلا بإمَاتَتِه، وإنها فِتنة كالنار؛ كلَّما سُعّرَت ازدادت، واستنارت. فقالا له: فَائْذَن لنا أن نخرج من المدينة، فإمّا أن نكابر، وإما أن تَدَعنا، فقال: سأمسِك الأمر ما استَمْسك؛ فإذا لم أجد بُدًّا فآخِر الدواء الكيّ.
وكتب إلى معاوية، وإلى أبي موسى. وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهْل الكوفة، وبيْعتهم، وبيَّنَ الكاره منهم للّذي كان، والرَّاضيَ بالذي قد كانَ، ومن بَيْن ذَلك حتى كأن عليًّا على المُواجَهَة من أمْر أهل الكوفة. وكان رسول عليّ إلى أبي موسى مَعْبد الأسلميّ؛ وكان رسول أمير المؤمنين إلى مُعاوية سَبْرة الجُهَنيّ، فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء، ولم يُجِبْه وردَّ رسولَه، وجعل كلما تنجّز جوابَه لم يزد على قوله: