رَدّوهم إلى عسكرهم، فسمع عليّ وأهلُ الكوفة الصوتَ، وقد وضعوا رجلًا قريبًا من عليّ ليخبره بما يريدون، فلما قال: ما هذا؟ قال ذاك الرّجل: ما فجئَنا إلّا وقوم منهم بيَّتونا، فرددْناهم من حيث جاؤوا، فوجدْنا القوم على رِجْل فركبونا، وثارَ الناس، وقال عليّ لصاحب ميمنته: ائتِ الميمنة، وقال لصاحب ميسرته: ائت الميسرةَ، ولقد علمتَ: أنّ طلحة والزّبير غير منتهيين حتى يَسْفِكا الدّماء، ويستحلّا الحرمة، وأنهما لن يطاوِعانا، والسّبئيّة لا تفترُ إنشابًا، ونادى عليّ في الناس: أيها الناس! كفّوا فلا شيء. فكان من رأيهم جميعًا في تلك الفتنة ألّا يقتتلوا حتى يُبدؤوا؛ يطلبون بذلك الحُجّة، ويستحقون على الآخرين، ولَا يقتُلوا مدبرًا، ولا يُجْهزوا على جريح، ولا يُتبعوا، فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادَوا فيما بينهما.
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد، وطلحة: قالا: ولما انهزم الناس في صدر النهار؛ نادى الزبير: أنا الزّبير، هلُمّوا إليَّ أيُّها الناس، ومعه مولىً له ينادي: أعن حواريّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنهزمون! وانصرف الزبير نحو وادي السباع، واتَّبعه فُرسان، وتشاغلَ الناسُ عنه بالناس، فلما رأى الفُرسان تتبَعه؛ عطف عليهم، ففرّق بينهم، فكرُّوا عليه، فلمّا عرفوه قالوا: الزّبير! فدعوْه، فلما نفر فيهم علباء بن الهيثم؛ ومرّ القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول: إلىَّ عباد الله! الصبرَ الصبر! قال له: يا أبا محمد؛ إنك لجريح، وإنك عمّا تريد لعليل؛ فادخل الأبياتَ، فقال: يا غلام! أدخِلني وابغني مكانًا. فأدخِل البصرة ومعه غلام ورجلان، فاقتتل الناس بعْده، فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البَصرة. فلمّا رأوا الجمل أطافت به مضر عادوا قَلْبًا كما كانوا حيث التقَوا، وعادوا إلى أمر جديد، ووقفتْ ربيعة البصرة، منهم ميمنة، ومنهم ميسرة، وقالت عائشة: خلّ يا كعب عن البعير، وتقدّم بكتاب الله عزّ وجلّ فادعُهم إليه، ودفعت إليه مصحفًا، وأقبل القوم وأمامهم السبئيّة يخافون أن يجري الصّلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعليٌّ من خلفهم يَزَعُهم ويأبَوْن إلّا إقدامًا، فلما دعاهم كعب رشَقوه رِشْقًا واحدًا، فقتلوه، ورمَوا عائشةَ في هَودجها، فجعلت تنادي: يا بَنيَّ! البقيّة البقيّة - ويعلو صوتُها كَثْرة - الله الله! اذكروا الله عزّ وجلّ، والحساب، فيأبون إلّا إقدامًا، فكان أوّل شيء أحدثتْه حين أبوْا أن قالت: أيُّها الناس! العنوا قتلةَ عثمان وأشياعَهم، وأقبلتْ تدعو.