أبو الأعور فاقتتلوا يومَهم ذلك، تَحمِل الخيلُ على الخيل والرجالُ على الرجال، وصبر القوم بعضهم لبعض، ثم انصرَفوا، وحمل عليهم الأشتر، فقُتل عبد الله بن المنذر التّنوخيّ، قتله يومئذ ظَبيان بن عمّار التميميّ، وما هو إلّا فتىً حدث، وإن كان التنوخيّ لفارس أهل الشام، وأخذ الأشتر يقول: وَيْحَكم! أروني أبا الأعور، ثم إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوَه، فوقف من وراء المكان الذي كان فيه أوّل مرة، وجاء الأشتر حتى صفّ أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور، فقال الأشتر لسنان بن مالك النّخَعيّ: انطلِق إلى أبي الأعور، فادعه إلى المبارزة، فقال: إلى مبارَزتي أو مبارزتك؟ فقال له الأشتر: لو أمرتُك بمبارزته فعلتَ؟ قال: نعم، والله لو أمرتَني أن أعترض صفّهم بسيفي ما رجعتَ أبدًا حتى أضرب بسيفي في صفّهم، قال له الأشتر: يابن أخي! أطال الله بقاءك! قد والله ازددتُ رغبةً فيك، لا أمرتك بمبارزته، إنما أمرتُك أن تدعوَه إلى مبارزتي، إنه لا يبرُز إن كان ذلك من شأنه إلّا لذوي الأسنان والكفاءة والشرف، وأنت -لربّك الحمد- من أهل الكفاءة والشرف، غير أنّك فتىً حدَث السنّ، فليس بمبارز الأحداث، ولكن ادعه إلى مبارزتي. فأتاه فنادى: آمنوني فإنِّي رسول. فاؤمن، فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور (١). (٤: ٥٦٦/ ٥٦٧/ ٥٦٨).
١٠٧٦ - قال أبو مخنف: فحدّثني النضر بن صالح أبو زهير العبسيّ، قال: حدّثني سنان، قال: فدنوت منه فقلت: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته. قال: فسكت عني طويلًا ثم قال: إنّ خفّة الأشتر وسوءَ رأيه هو حمله على إجلاء عمّال ابن عفان رضي الله عنه في العراق، وانتزاؤه عليه يقبّح محاسنه، ومن خِفّة الأشتر وسوءِ رأيه أن سار إلى ابن عفان رضي الله عنه في داره وقراره حتى قتله فيمن قتله، فأصبح متّبعًا بدمه؛ ألا لا حاجة لي في مبارزته. قال: قلتُ: إنك قد تكلمت، فاسمع حتى أجيبَك، فقال: لا، لا حاجة لي في الاستماع منك ولا في جوابك، اذهب عني، فصاح بي أصحابه فانصرفتُ عنه، ولو سمع إليَّ لأخبرته بعذر صاحبي وحجّتِه، فرجعت إلى الأشتر، فأخبرتُه أنه قد أبى المبارزة، فقال: لنفسه نظر، فوَاقفناهم حتى حجز الليلُ بيننا وبينهم، وبتنا