يرجعوا، وقبل ذلك ما دعوناهم إلى كتاب الله عزّ وجلّ فأبوْه، ثم كتبتم بينكم وبينه كتابًا، وجعلتم بينكم وبينه الموادَعة والاستفاضة، وقد قطع عزّ وجلّ الاستفاضة والموادَعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلتْ براءة، إلا من أقرّ بالجزية.
وبحث عليّ زياد بن النّضر إليهم، فقال: انظر بأيّ رؤوسهم هم أشدّ إطافة، فنظر فأخبره أنه لم يرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيدَ بن قيس، فخرج عليّ في الناس حتى دخل إليهم، فأتى فُسطاط يزيد بن قيس، فدخله فتوضأ فيه وصلى ركعتين، وأمّره على إصبهان والرّيّ، ثم خرج حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابنَ عبّاس، فقال: انتهِ عن كلامهم، ألم أنْهَك رحمك الله! ثم تكلَّم فحمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه ثم قال: اللهمّ إنّ هذا مقامٌ مَنْ أفلجَ فيه كان أَولى بالفُلْح يوم القيامة، ومن نطق فيه وأوعث فهُوَ في الآخرة أعمَى وأضلُّ سبيلًا. ثم قال لهم: مَن زعيمُكم؟ قالوا: ابن الكوّاء. قال عليّ: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومَتُكم يومَ صفّين. قال: أنشُدُكم بالله، أتعلمون أنهم حيث رفعُوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم: إني أعلم بالقومِ مِنكم، إنهم ليسوا بأصحاب دِين ولا قرآن، إني صحبتهم، وعَرفتهم أطفالًا ورجالا، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال. امضُوا على حقِّكم وصِدقكم، فإنما رفع القوم هذه المصاحفَ خديعة وَدهْنًا ومَكيدة. فرددتم عليّ رأي، وقلتم: لا، بل نقبل منهم، فقلت لكم: اذكروا قولي لكم، ومعصيتكم إيّاي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطتُ على الحَكَمين أن يُحييا ما أحيا القرآن، وأن يُمِيتا ما أماتَ القرآن، فإن حَكَما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حُكمًا يحكم بما في القرآن، وإن أبيَنا فنحن من حكمهما براء، قالوا له: فخبِّرنا أتراه عدلًا تحكيم الرّجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا حكّمنا الرجال، إنما حكَّمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خطّ مسطور بين دفتين، لا ينطق، إنما يتكلَّم به الرجال، قالوا: فخبّرنا عن الأجل، لم جعلتَه فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل، ويتثبّت العالم، ولعل الله عز وجلّ يصلح في هذه الهدنة هذه الأمّة. ادخلوا مصرَكم رحمكم الله! فدخلوا مِن عند آخِرِهم (١). (٥: ٦٤/ ٦٥/ ٦٦).
(١) إسناده تالف وفيه نكارة، ولبعضه ما يؤيده كما أخرج الطبري من رواية صحيحة سنذكرها في حينها (٩١: ٥).