أما بعد: فقد أتاني كتابُك تذكِّرني من أمرِ عثمانَ أمرًا لا أعتذر إليك منه، وتأمُرني بالتنحّي عنك كأنك لي ناصح، وتُخوّفني المُثْلَة كأنك شفيق، وأنا أرجو أن تكون ليَ الدائرةُ عليكم، فأجتاحَكم في الوقعة، وإن تُؤتَوا النصرَ ويكن لكم الأمر في الدّنيا، فكَم لَعمرِي من ظالم قد نَصرْتم، وكم من مؤمن قَتلتم، ومثّلتم به! وإلى الله مصيرُكم ومصيرُهم، وإلى الله مَرَدّ الأمور، وهو أرحم الراحمين، والله المستعان على ما تصفون! والسلام.
وكتب محمد إلى عمرو بن العاص:
أمّا بعد: فقد فهمتُ ما ذكرتَ في كتابك يا بنَ العاص! زعمتَ: أنك تكره أن يصيبَني منك ظَفَر، وأشهدُ أنك من المبطِلين! وتَزعم: أنك لي نصيح، وأقسم أنك عندي ظَنين! وتَزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيي وأمري، ونَدِموا على اتّباعي، فأولئك لك وللشيطان الرجيم أولياء، فحسبُنا الله ربّ العالَمين، وتوكَّلنا على الله ربّ العرش العظيم! والسلام.
قال: أقبل عَمرو بن العاص حتى قصد مصرَ، فقام محمد بن أبي بكر في الناس، فحمِد الله وأثنَى عليه وصلى على رسوله، ثم قال: أمّا بعد معاشرَ المسلمين والمؤمنين، فإنّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحُرمة، ويَنعشُون الضلال، ويَشُبّون نارَ الفتنة، ويتسلّطون بالجَبريّة قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود، عبادَ الله! فمن أراد الجنّة والمغفرة فلْيخرج إلى هؤلاء القوم، فلْيجاهدْهم في الله. انتدبِوا إلى هؤلاء القوم رحمكم الله مع كنانة بن بشر.
قال: فانتدب معه نحو من ألفَي رجل، وخرج محمد في ألفَيْ رجل، واستقبل عمرو بن العاص كنانةَ وهو على مقدّمة محمد، فأقبل عمرو نحو كنانةَ، فلما دنا من كنانة سرّح الكتائبَ كتيبةً بعد كتيبة، فجعل كنانةُ لا تأتيه كتيبةٌ من كتائب أهلِ الشام إلا شدّ عليها بمن معه، فيضربها حتّى يقرّبها لعمرو بن العاص، ففعل ذلك مرارًا؛ فلما رأى ذلك عمرو بعث إلى معاوية بن حُدَيج السَّكونيّ، فأتاه في مثل الدّهْم، فأحاط بكنانةَ وأصحابه، واجتمع أهلُ الشأم عليهم من كلّ جانب، فلما رأى ذلك كنانة بن بشر نزل عن فرسه. ونزل أصحابُه وكنانة يقول: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ