مروانُ لجأ إليه يومَ الجمل: هذا أمرٌ لي فيه شركاء، أستشير وأنظر. فلما رأى زياد تَثاقُلَ مالك؛ خاف أن تختلف ربيعة، فأرسل إلى نافع أن أشِرْ عليّ، فأشار عليه نافع بصَبِرة بن شَيْمان الحُدّانيّ، فأرسل إليه زياد، فقال: ألا تجيرني! وبيت مالِ المسلمين فإنه فَيئُكم، وأنا أمينُ أمير المؤمنين. قال: بلى إن حملتَه إليّ ونزلتَ داري. قال: فإني حامله، فحَمَله، وخرج زياد حتى أتى الحُدّان، ونزل في دار صَبِرة بن شَيْمان، وحوّل بيت المال والمنبر، فوضعه في مسجد الحُدّان، وتحوّل مع زياد خمسون رجلًا، منهم أبو أبي حاضر - وكان زياد يصلي الجمعة في مسجد الحُدَّان، ويطعم الطعام - فقال زياد لجابر بن وهب الرّاسبيّ: يا أبا محمد! إني لا أرى ابنَ الحضرميّ يكفّ، لا أراه إلا سيقاتلكم، ولا أدري ما عند أصحابك فآمِرْهم، وانظر ما عندهم، فلما صلى زياد جلس في المسجد، واجتمع الناس إليه، فقال جابر: يا معشرَ الأزد! تميم تَزعم: أنهم هم الناس، وأنهم أصبرُ منكم عند البأس، وقد بلغني أنهم يريدون أن يسيروا إليكم حتى يأخذوا جارَكم، ويخرجوه من المِصر قسْرًا، فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك وقد أجَرْتموه وبيت مال المسلمين! فقال صَبِرة بن شَيْمان - وكان مفخّمًا: إن جاء الأحنف جئت، وإن جاء الحُتَات جئت، وإن جاء شُبّان ففينا شُبّان. فكان زياد يقول: إنني استضحكت، ونهضت، وما كدتُ مكيدةً قطّ كنتُ إلى الفضيحة بها أقربَ مني للفضيحة يومئذ؛ لما غلبني من الضّحك. قال: ثمّ كتب زياد إلى عليّ: إنّ ابن الحضرميّ أقبل من الشأم فنزل في دار بني تميم، ونَعَى عثمان، ودعا إلى الحرب، وبايعتْه تميم وجُلُّ أهل البصرة، ولم يبقَ معي مَن أمتنع به، فاستجرت لنفسي ولبيت المال صَبِرة بن شَيْمان، وتحوّلت فنزلت معهم، فشيعةُ عثمان يختلفون إلى ابن الحضرميّ، فوخه عليّ أعين بن ضُبَيعة المجاشعيّ ليفرّق قومه عن ابن الحضْرميّ. فانظر ما يكون منه، فإن فُرّق جمعُ ابن الحضرميّ، فذلك ما تُريد، وإن ترقّت بهم الأمور إلى التمادي في العصيان؛ فانهض إليهم فجاهدْهم، فإنْ رأيتَ ممن قِبَلك تثاقلًا، وخِفتَ ألّا تبلغ ما تريد، فدارهمْ وطاوِلهم، ثم تسمّع وأبصر، فكأنّ جنود الله قد أظلّتك، تقتل الظالمين، فقَدِم أعيَن فأتى زيادًا، فنزل عنده، ثم أتى قومَه، وجمع رجالًا ونهض إلى ابن الحضرميّ، فدعاهم، فشتموه، وناوشوه، فانصرف عنهم، ودخل عليه قوم فقتلوه، فلما قتل أعيَن بن ضُبيعة؛ أراد زياد قتالَهم، فأرسلتْ بنو تميم إلى