للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: إنما يعود نفع ذلك عليه {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} أي: غني عن شكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين.
ثم أصر سليمان - عليه السلام - أن يغيّر حلي هذا العرش، وينكر لها ليختبر فهمها وعقلها، ولهذا قال:
{نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالتْ كَأَنَّهُ هُوَ} وهذا من فطنتها وغزارة فهمها, لأنها استبعدت أن يكون عرشها لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن، ولم تكن تعلم أن أحدًا يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب، قال الله تعالى إخبارًا عن سليمان وقومه: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} أي: ومنعها عبادة الشمس التي كانت تسجد لها هي وقومها من دون الله اتباعًا لدين آبائهم وأسلافهم، لا لدليل قادهم إلى ذلك ولا جادلهم على ذلك.
وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفًا من زجاج، وجعل فيه السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح وسليمان جالس على سريره فيه {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيهَا قَال إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ}.
وقال تعالى في سورة ص: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَال إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيمَانَ وَأَلْقَينَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَال رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: ٣٠ - ٤٠].
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله تعالى عليه فقال: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل {الصَّافِنَاتُ} وهي التي تقف على ثلاثة وطرف حافر الرابعة، {الْجِيَادُ} وهي المضمرة السراع.
{فَقَال إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يعني: الشمس. وقيل: الخيل على ما سنذكره من القولين {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف. وقيل: مسح عنها العرق لما أجراها وسابق بينها بين يديه على القول اآخر.
والذي عليه أكثر السلف الأول، فقالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس. وروي هذا عن علي بن أبي طالب وغيره. والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمدًا من غير عذر، اللهم إلا أن يقال إنه كان سائغًا في شريعتهم، فأخر الصلاة لأجل أسباب الجهاد وعرض الخيل من ذلك. =

<<  <  ج: ص:  >  >>