عليهم، فإنهم قد فارقوا الحقّ، وسَفَكوا الدم الحرام، وأخافوا السبيل! والسلام.
قال: فأخذتُ الكتاب منه، فمضيتُ به غيرَ بعيد، ثم رجعتُ به، فقلت: يا أميرَ المؤمنين! ألا أمضي مع زياد بن خَصَفة إذا دفعتُ إليه كتابك إلى عدوّك؟ فقال: يا بنَ أخي! افعل، فوالله إني أرجو أن تكون من أعواني على الحق، وأنصاري على القوم الظالمين! فقلت له: أنا والله يا أميرَ المؤمنين كذلك، ومن أولئك، وإنا حيث تحبّ!
قال ابن وأل: فوالله ما أحبّ أنّ لي بمقالة علي تلك حُمْر النَعَم.
قال: ثمّ مضيت إلى زياد بن خَصَفة بكتاب عليٍّ؛ وأنا على فرس لي رائع كريم، وعليَّ السلاح، فقال لي زياد: يا بن أخي! والله مالي عنك من غَناء! وإنّي لأحبّ أن تكون معي في وجهي هذا؛ فقلت له: قد استأذنتُ في ذلك أميرَ المؤمنين فأذِن لي، فسرّ بذلك.
قال: ثمّ خرجنا حتى أتينا نِفّر، فسألنا عنهم، فقيل لنا: قد ارتفعوا نحو جَرْجَرايا، فاتّبعناهم، فقيل لنا: قد أخذوا نحو المذار، فلحقناهم؛ وهم نزول بالمذار، وقد أقاموا به يومًا وليلة، وقد استراحوا، وأعلفوا؛ وهم جامّون، فأتيناهم؛ وقد تقطّعنا، ولَغِبنا، وشَقِينا، ونَصِبنا، فلما رأونا؛ وثبوا على خيولهم فاستوَوْا عليها، وجئنا حتى انتهينا إليهم، فواقَفْناهم، ونادانا صاحبهم الخِرّيتُ بن راشد: يا عميانَ القلوب والأبصار! أمع اللهِ أنتم وكتابه وسنّة نبيه، أم مع الظالمين؟ فقال له زياد بن خَصَفة: بل نحن مع الله ومَنِ اللهُ وكتابه ورسوله آثرُ عندَه ثوابا من الدّنيا منذ خلقت إلى يوم تفنى، أيّها العُمْي الأبصار، الصُّمُّ القلوب، والأسماع! فقال لنا: أخبروني ما تريدون؟ فقال له زياد - وكان مجرّبًا رفيقًا: قد ترى ما بنا من اللُّغوب والسغوب، والذي جئنا له لا يُصلِحه الكلامُ علانيةً على رؤوس أصحابي وأصحابك، ولكن أنزل وتنزل، ثم نخلو جميعًا فنتذاكر أمرَنا هذا جميعًا وننظر، فإن رأيتَ ما جئناك فيه حظًّا لنفسك قبلتَه، وإن رأيتَ فيما أسمعه منك أمرًا أرجو فيه العافية لنا ولك لم أردُدْه عليك. قال: فانزل بنا، قال: فأقبل إلينا زياد فقال: انزلوا بنا على هذا الماء؛ قال: فأقبلْنا حتى إذا انتهينا إلى الماء، نزلناه فما هو إلا أن نزلْنا فتفرّقنا، ثم تحلّقنا من عشرة وتسعة