ثم قال: {وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} أي: وسخرنا لسليمان الريح عاصفة {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيءٍ عَالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} وقال في سورة ص: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}. لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله عوضه الله منها الريح التي هي أسرع سيرًا وأقوى وأعظم ولا كلفة عليه لها {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيثُ أَصَابَ} أي: حيث أراد من أي البلاد. قال تعالى: {وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَينَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَينَ يَدَيهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٢ - ١٣]. وقوله: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَينَ يَدَيهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} أي: وسخر الله له من الجن عمالًا يعملون له ما يشاء لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس {وَتَمَاثِيلَ} وهي الصور في الجدران، وكان هذا سائغًا في شريعتهم وملتهم {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} قال ابن عباس: الجفنة كالجوبة من الأرض، وعنه كالحياض. وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم. وعلى هذه الرواية يكون الجواب جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء. وأما القدور الراسيات فقال عكرمة: أثافيها منها، يعني: أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن، وهكذا قال مجاهد وغير واحد. ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام والإحسان إلى الخلق من إنسان وحيوان قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقال تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} أي: قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين اثنين في الأصفاد وهي القيود، وهذا كله من جملة ما هيأه الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك؛ الذي لا ينبغي لأحد من بعده، ولم يكن أيضًا لمن كان قبله. وقد قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن عفريتًا من الجن تفلت عليَّ البارحة ليقطع عليَّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد =