بائقتَه، وقال: والله لترجعنّ إلى عملكَ يا أبا عبد الله! فأبى عليه، فلم يزدْه ذلك إلا تُهمة، فردّه إلى عمله، فطرقَنا ليلًا، وإني لفَوْق القَصْر أحرُسه، فلما قرع البابَ أنكرْناه، فلما خاف أن ندَلِّيَ عليه حَجَرًا تسمَّى لنا، فنزلتُ إليه فرحّبت له وسلّمت، فتمثّل:
بمثلي فافْزعي يا أُمَّ عَمْرٍو ... إذا ما هاجَني السَّفَرُ النَّعُورُ
اذهب إلى ابن سُميّة فرحِّله حتى لا يصبح إلا من وراء الجسر. فخرجْنا فأتينا زيادًا، فأخرجْناه حتى طرحناه من وراء الجسر قبل أن يصبح (١). (٢١٦: ٥/ ٢١٧).
فحدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ، قال: حدّثنا مسلمةَ والهُذلىّ وغيرُهما: أنّ معاوية استَعمل زيادًا على البصرة وخراسان وسِجسْتان، ثم جمع له الهند والبحرَيْن وعُمان، وقَدِم البصرة في آخر شهر ربيع الآخر - أو غرّة جُمادَى الأولى - سنة خمس، والفِسْق بالبَصرة ظاهر، فاشٍ، فخطب خُطبةً بَتْراءَ لَم يَحمَد الله فيها، وقيل: بل حَمِد الله فقال:
الحمدُ لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيدَ من نِعَمه، اللهمّ كما رزقْتنا نعمًا، فألهِمْنا شكرًا على نعمتك علينا.
أمّا بعد، فإنّ الجهالة الجَهْلاء، والضّلالة العَمْياء، والفَجْر المُوقِد لأهله النارَ الباقيَ عليهم سعيرُها، ما يأتي سفهاؤكم، ويشتَمل عليه حُلَماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تَسمعوا بآي الله، ولم تقرؤوا كتابَ الله، ولم تَسمَعوا ما أعدّ الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السَّرمد الذي لا يزول. أتكونون كمن طرفتْ عينه الدنيا، وسدّت مسامعه الشهوات، واختار الفانيةَ على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدَثتم في الإسلام الحدَث الذي لم تُسْبَقوا به من ترككم هذه المَواخير المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر؛ والعدد غير قليل! ألم تكن منكم نُهاةٌ تَمنع الغُواةَ عن دَلجٍ الليل وغارةِ النهار! قرّبتم القرابة، وباعدتم الدّين، تعتذرون بغير العذر، وتُغطُّون على المختلس، كلّ امرئ منكم يذبُّ
(١) في إسناده إسحاق بن يحيى ضعيف، وقال أحمد: متروك الحديث.