للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: ٤٢ - ٥١].
يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالم زمانها، بأن اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب، وبشرت بأن يكون نبيًّا شريفًا {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} أي: في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكذلك في حال كهولته، فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها، وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلًا لهذه الكرامة، ولتقوم بشكر هذه النعمة.
فقول الملائكة: {يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} أي: اختارك واجتباك {وَطَهَّرَكِ} أي: من الأخلاق الرذيلة، وأعطاك الصفات الجميلة {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ} يحتمل أن يكون المراد عالمي زمانها كقوله لموسى: {إِنِّي اصْطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ} وكقوله عن بني إسرائيل: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالمِينَ} ومعلوم أن إبراهيم - عليه السلام - أفضل من موسى، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أفضل منهما، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددًا وأفضل علمًا وأزكى عملا من بني إسرائيل وغيرهم.
ويحتمل أن يكون قوله: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ} محفوظ العموم فتكون أفضل نساء الدنيا ممن كان قبلها أو وُجِد بعدها لأنها إن كانت نبية على قول من يقول بنبوتها ونبوة سارة أم إسحاق ونبوة أم موسى محتجًّا بكلام الملائكة والوحي إلى أم موسى، كما يزعم ذلك ابن حزم وغيره، فلا يمتنع على هذا أن تكون مريم أفضل من سارة وأم موسى لعموم قوله: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالمِينَ} إذ لم يعارضه غيره ... والله أعلم.
وأما قول الجمهور كما قد حكاه أبو الحسن الأشعري وغيره عن أهل السنة والجماعة من أن النبوة مختصة بالرجال، وليس في النساء نبية فيكون أعلى مقامات مريم، كما قال الله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} فعلى هذا لا يمتنع أن تكون أفضل الصديقات المشهورات ممن كان قبلها وممن يكون بعدها ... والله أعلم. وقد جاء ذكرها مقرونًا مع آسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهن وأرضاهن.
وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عديدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد" [البخاري / ح ٣٤٣٢] و [أحمد ٦٤٠] و [مسلم ٢٤٣٠].
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران، واسية امرأة فرعون، =

<<  <  ج: ص:  >  >>