للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أبيتم قتلناكم، وإنّ أمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهكِ مصْركم عليكم، غير أنه قد عفا عن ذلك، فابرؤوا من هذا الرجل نُخَلّ سبيلَكم، قالوا: اللهمّ إنّا لسنا فاعلِي ذلك، فأمر بقبورهم فحفرتْ، وأدنيتْ أكفانُهم، وقاموا الليلَ كلَّه يصلّون، فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء، لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوّل من جار في الحكم، وعَمِل بغير الحقّ؛ فقال أصحاب لمعاوية: أميرُ المؤمنين كان أعلمَ بكم، ثم قاموا إليهم فقالوا: تبرؤون من هذا الرجل! قالوا: بل نتولّاه ونتبرّأ ممن تبرّأ منه؛ فأخذ كلّ رجل منهم رجلًا ليقتلَه، ووقع قَبِيصة بن ضبيعة في يديْ أبي شريف البدّي، فقال له قَبِيصة: إنّ الشّر بين قَومي وقومك أمِنٌ، فليقتلْني سواك؛ فقال له: برّتك رَحِم! فأخذ الحضرميّ فقتله، وقتل القضاعيّ قَبِيصة بن ضُبَيعة.

قال: ثم إنّ حُجرًا قال لهم: دعوني أتوضأ، قالوا له: توضّأ، فلما أن توضّأ قال لهم: دعوني أصلّ ركعتين فأيْمُنُ الله ما توضأت قطّ الأصلّيت ركعتين؛ قالوا: لتُصلّ، فصلَّى، ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاةً قطّ أقصرَ منها، ولولا أن تروْا أن ما بي جَزع من الموت لأحببتُ أن أستكثرَ منها، ثم قال: اللهمّ إن نستعديك على أمّتنا، فإنّ أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها إني لأوّل فارس من المسلمين هَلَك في واديها، وأوّل رجل من المسلمين نبحَتْه كلابها، فمشى إليه الأعور هُدْبة بن فيّاض بالسيف، فأرعِدت خَصائله، فقال: كلّا، زعمتَ أنك لا تجزع من الموت؛ فأنا أدَعك فابرأ من صاحبك، فقال: ما لي لا أجزعُ وأنا أرى قبرًا محفورًا، وكفنًا منشورًا، وسيفًا مشهورًا؛ وإني والله إنْ جزعتُ من التهتل لا أقول ما يُسخط الرّب، فقَتَله؛ وأقبلوا يقتلونهم واحدًا واحدًا حتى قَتلوا ستة، فقال عبد الرحمن بن حسّان العَنَزي وكريم بن عَفيف الخثعميّ: ابعثَوا بنا إلى أمير المؤمنين، فنحن نقول في هذا الرّجل مِثلَ مقالته؛ فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما، فبعث إليهم أن ائتوني بهما.

فلما دخلا عليه قال الخثعميّ: اللهَ اللهَ يا معاوية! فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ثم مسؤول عمّا أردت بقتلنا، وفيمَ سفكت

<<  <  ج: ص:  >  >>