للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُسرت عضداه وأخذ أسيرًا؛ قال: فأخذه شَمِر بن ذي الجوشن، ومعه أصحاب له يسوقون نافعًا حتى أتى به عمر بن سعد، فقال له عمر بن سعد: ويْحك يا ناقع! ما حمَلك على ما صنعتَ بنفسك! قال: إنّ ربي يعلم ما أردتُ؛ قال: والدماء تسيل على لحيته وهو يقول: والله لقد قتلتُ منكم اثني عشر سوَى من جرحتُ، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيتْ لي عضد وساعدٌ ما أسرتموني؛ فقال له شمِر: اُقِتُلْه أصلحك الله! قال: أنت جئتَ به، فإن شئتَ فاقتله، قال: فانتضى شمر سيفه، فقال له نافع: أما والله أنْ لو كنت من المسلمين لَعَظُم عليك أن تلقى اللهَ بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يديْ شِرارِ خلقه؛ فقتله.

قال: ثمّ أقبل شمِر يحمل عليهم وهو يقول:

خَلُّوا عُداةَ اللهِ خلّوا عن شَمِرْ ... يَضرِبُهُمْ بسيفه ولَا يَفِرْ

وهو لكم صابٌ وسَمٌ ومَقِرْ

قال: فلما رأى أصحابُ الحسين أنهم قد كُثِروا، وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسينًا ولا أنفسَهم، تنافسوا في أن يُقتَلوا بين يديه، فجاءه عبد الله وعبد الرحمن ابنا عَزْرة الغِفاريّان، فقالا: يا أبا عبد الله! عليك السلام، حازَنَا العدوّ إليك، فأحبَبْنا أن نُقتَل بين يديْك، نمنعك وندفع عنك، قال: مرحبًا بكما! أذنُوَا منّي، فدنَوَا منه، فجعلا يقاتلان قريبًا منه، وأحدهما يقول:

قد علِمتْ حقًّا بنو غِفَارِ ... وخِنْدِفٌ بعد بني نزارِ

لنَضْربَنَ معْشَرَ الفجَّارِ ... بكل عَضْبٍ صارمٍ بَتَّارِ

يا قوم ذُودُوا عن بني الأَحرارِ ... بالمَشْرِفيّ والقَنا الخطَّارِ

قال: وجاء الفَتيَان الجابريّان: سيف بن الحارث بن سُرَيْع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ، وأخَوان لأمّ، فأتيا حسينًا فدَنَوا منه وهما يبكيان، فقال: أي ابنَيْ أخي! ما يُبكيكما؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا عن ساعة قريريْ عين، قالا: جعلنا الله فِداك! لا والله ما على أنفسنا نبكي، ولكنّا نبكي عليك، نراك قد أحيط بك، ولا نقدر على أن نمنعك؛ فقال: جزاكما الله يا بَنيْ أخي بوَجْدكما من ذلك، ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسنَ جزاءِ المتقين؛ قال: وجاء حنظلة بن أسعد الشّباميّ فقام بين يدي حسين، فأخذ ينادي: {يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>