للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تجزع يا عمرو؛ فقال أخوه أبان بن سعيد بن العاص: أعمرو يَجزع! والله لو قبضتم على الجَمْرِ وقبض عليه ما تَرَكه حتى تتركوه، وخرج عمرو سائرًا حتى نزل من المدينة على ليلتين، وكتب إلى غلمانه ومواليه وهم نحوٌ من ثلاثمئة رجل: إني باعث إلى كلّ رجل منكم جَمَلًا وحقيبةً وأداته، وتُناخ لكم الإبل في السوق، فإذا أتاكم رسولي فاكسروا بابَ السجن، ثم ليقمْ كلُّ رجل منكم إلى جَمَله فليركبْه، ثمّ أقبِلوا عليّ حتى تأتوني؛ فجاء رسولُه حتى اشترى الإبل، ثمّ جهزها بما ينبغي لها، ثمّ أناخها في السوق، ثمّ أتاهم حمَى أعلمهم ذلك، فكسروا باب السجن، ثم خرجوا إلى الإبل فاستوَوْا عليها، ثمّ أقبلوا حتى انتهوا إلى عمرو بن سعيد فوجدوه حين قدم على يزيدَ بن معاوية، فلما دخل عليه رحّب به وأدنى مجلسَه.

ثمّ إنه عاتبه في تقصيره في أشياء كان يأمره بها في ابن الزّبير، فلا ينفّذ منها إلا ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين! الشاهدُ يرى ما لا يرى الغائبُ، وإنّ جُلَّ أهلِ مكة وأهل المدينة قد كانوا مالُوا إليه وهوَوه وأعطوه الرّضا، ودعا بعضهم بعضًا سِرًّا وعلانية، ولم يكن معي جند أقوى بهم عليه لو ناهضتهُ، وقد كان يحذَرُني ويتحرَّز مني، وكنت أرفق به وأداريه لأستمكر منه فأثبَ عليه، مع أني قد ضَيَّقتُ عليه، ومنعتُه من أشياءَ كثيرة لو تركته وإياها ما كانت له إلا معونةً، وجعلتُ على مكة وطُرُقها وشعابها رجالًا لا يَدَعون أحدًا يدخلها حتى يكتبوا إليّ باسمه واسم أبيه، ومن أيّ بلاد الله هو، وما جاء به وما يريد؛ فإن كان من أصحابه أو ممن أرى أنه يريده رددتُه صاغرًا، وإن كان ممن لا أتَّهم، خلّيتُ سبيلَه، وقد بعثتَ الوليد، وسيأتيك من عمله وأثره ما لعلك تعرف به فضلّ مبالغتي في أمرك، ومناصحتي لك إن شاء الله، واللهُ يصنع لك، ويَكبت عدوّك يا أمير المؤمنين! .

فقال له يزيد: أنت أصدَق ممن رقَّى هذه الأشياء عنك، وحَمَلّني بها عليك، وأنت ممن أثق به، وأرجو معونته، وأدخره لرأبِ الصَّدْع، وكفاية المُهمّ، وكشفِ نوازل الأمور العظام؛ فقال له عمرو: وما أرى يا أميرَ المؤمنين أنّ أحدًا أولَى بالقيام بتشديد سلطانك، وتوهين عدوك، والشدّة على من نابَذَك مني.

وأقام الوليد بن عتبة يريد ابن الزبير، فلا يجده إلا متحذّرًا متمنّعًا، وثار

<<  <  ج: ص:  >  >>