للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لوط: وحدثني أيضًا محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف: ورجع المنذر من عند يزيدَ بن معاوية، فقَدِم على عُبيد الله بن زيادة البصرةَ، فأكرمه وأحسن ضيافتَه، وكان لزياد صديقًا، إذ سقط إليه كتابٌ من يزيد بن معاوية حيث بلغه أمرُ أصحابه بالمدينة، أن أوثقْ المنذرَ بن الزبير واحبِسه عندَك حتى يأتيَك فيه أمري؛ فكره ذلك عبيد الله بن زياد لأنه ضيْفه، فدعاه فأخبره بالكتاب وأقرأه إياه، وقال له: إنك كنت لزياد وُدًّا وقد أصبحتَ لي ضيفًا، وقد آتيتُ إليك معروفًا، فأنا أحبُّ أن أسدِيَ ذلك كله بإحسان، فإذا اجتمع الناس عندي فقُمْ فقُلْ: ائذنْ لي فلأنصرفْ إلى بلادي، فإذا قلتُ: لا بَلْ أقِمْ عندي فإنّ لك الكرامةَ والمواساة والأثَرةَ، فقُل: لي ضيعةٌ وشُغْلٌ، لا أجد من الانصراف بُدًّا فائْذَنْ لي، فإني آذنُ لك عند ذلك؛ فالحقْ بأهلك.

فلما اجتمع الناس عند عُبيد الله قام إليه فاستأذنه فقال: لا بل أقِمْ عندي فإني مُكرمُك ومُواسيك ومؤثرُك، فقالى له: إنّ لي ضيعةً وشُغلًا، ولا أجدُ من الانصراف بدًّا فائْذَنْ لي؛ فأذن له، فانطلق حتى لحِق بالحجاز، فأتى أهلَ المدينة، فكان فيمن يحرِّض الناسَ على يزيد، وكان من قوله يومئذ: إن يزيدَ والله لقد أجازني بمئة ألف درهم، وإنه لا يمنعني ما صنع إليّ أن أخبركم خبرَه، وأصدُقكم عنه، والله إنه ليَشرب الخمر، وإنه ليَسكَرْ حتى يدَع الصلاة؛ وعابه، بمثل ما عابه به أصحابُه الذين كانوا معه وأشدَّ، فكان سعيد بن عمرو يحدِّث بالكوفة: أنّ يزيدَ بن معاوية بلغه قولُه فيه فقال: اللهمَّ إني آثرتُه وأكرمتُه، ففعل ما قد رأيت، فاذكرْه بالكذب والقطيعة (١). (٥: ٤٨٠ - ٤٨١).

قال أبو مخنف: فحدّثني سعيد بن زيد أبو المثلم: أنّ يزيدَ بن معاوية بعث النعمان بن بشير الأنصاريّ فقال له: ائتِ الناس وقومك فافثأهم عمّا يريدون، فإنهم إنْ لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناسُ على خلافي، وبها من عشيرتي من لا أحبّ أن ينهض في هذه الفتنة فيَهلك.

فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومَه، ودعا الناس إليه عامّة، وأمَرَهم بالطاعة ولزوم الجماعة، وخوَّفهم الفتنةَ، وقال لهم: إنه لا طاقةَ لكم بأهل الشام؛ فقال


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>