هلك فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر؛ هلمَّ فلنبايعْك، ثمّ أخرج معي إلى الشام، فإنّ هذا الجند الذي معي هم وجوهُ أهل الشام وفُرسانُهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمّن الناس وتُهدِر هذه الدّماء التي كانت بيننا وبينك، والتي كانت بيننا وبين أهل الحرَّة؛ فكان سعيد بن عمرو يقول: ما مَنَعه أن يبايعَهم ويخرج إلى الشام إلَّا تطَيّرٌ، لأنَّ مكة التي منعه الله بها، وكان ذلك من جند مروان، وإن عبد الله والله لو سار معهم حتى يدخل الشام ما اختلف عليه منهم اثنان، فزعم بعضُ قريش: أنَّه قال: أنا أهدِر تلك الدماء! أما والله لا أرضى أن أقتُل بكلّ رجل منهم عَشرة، وأخذ الحصينُ يكلّمه سرًّا، وهو يجهر جهرًا، وأخذ يقول: لا والله لا أفعل؛ فقال له الحصين بن نمير: قبح اللهُ من يعدّك بعد هذه داهيًا قطّ أو أديبًا! قد كنتُ أظنّ أنّ لك رأيًا، ألا أراني أكلمك سرًّا وتكلمني جهرًا، وأدعوك إلى الخلافة، وتعِدُني القتلَ والهَلَكة!
ثمَّ قام فخرج وصاح في الناس، فأقبل فيهم نحوَ المدينة، وندم ابن الزبير على الذي صنع، فأرسل إليه: أمَّا أن أسيرَ إلى الشام فلستُ فاعلًا، وأكره الخروج من مكة، ولكن بايعوا لي هنالك فإنِّي مؤمّنكم وعادلٌ فيكم، فقال له الحصين: أرأيتَ إن لم تقدم بنفسك، ووجدتُ هنالك أناسًا كثيرًا من أهل هذا البيت يطلبونها يجيبهم الناس، فما أنا صانعٌ؟ فأقبَل بأصحابه ومَنْ معه نحوَ المدينة، فاستقبله عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ومعه قتٌّ وشعيرٌ، وهو على راحلة له، فسلّم على الحصين، فلم يكد يلتفت إليه، ومع الحصين بن نمير فرسٌ له عتيق، وقد فَنِيَ قَتُّهُ وشعيرُه، فهو غَرِضٌ، وهو يسبّ غلامَه ويقول: من أين نجد هنا لدابّتنا عَلفًا! فقال له عليّ بن الحسين: هذا علفٌ عندنا، فاعلف منه دابّتك، فأقبل على عليٍّ عند ذلك بوَجهه، فأمر له بما كان عنده من عَلَف، واجترأ أهلِ المدينة وأهلُ الحجاز على أهل الشام فذلّوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلَّا أخِذ بلجام دابته ثمَّ نُكِس عنها، فكانوا يجتمعون في معسكرهم فلا يفترقون.
وقالت لهم بنو أميّة: لا تبرحوا حتى تحملونا معكم إلى الشام، ففعلوا، ومضى ذلك الجيش حتى دخل الشام، وقد أوصى يزيد بن معاوية بالبيعة لابنه معاوية بن يزيد، فَلم يلبث إلَّا ثلاثة أشهر حتى مات (١). (٥: ٥٠١ - ٥٠٣).
(١) والنكارة أن ابن الزبير عالم من علماء الصحابة ولم يصح أنَّه قال عن يزيد بأنّه طاغية بل كل =