للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ إنَّ هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صُرَد، وكانوا من خيار أصحاب عليّ، ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم.

قال: فلما اجتمعوا إلى منزل سليمانَ بن صُرَد؛ بدأ المسيّب بن نَجَبة القوم بالكلام، فتكلَّم فحمدَ الله وأثنَى عليه وصلَّى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ قال:

أما بعد، فإنا قد ابتُلينا بطول العمر، والتعرّض لأنواع الفِتَن فنرغب إلى ربنا ألَّا يجعلنا ممن يقول له غدًا: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: ٣٧]؛ فإنّ أمير المؤمنين قال: العُمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة، وليس فينا رجل إلا وقد بلغه، وقد كنا مُغرَمين بتزكِيَة أنفُسنا، وتقريظِ شيعتنا، حتى بلا الله أخيارَنا فوجدنَا كاذبين في موطنَيْن من مواطن ابن ابنة نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، وقد بلغتْنا قبل ذلك كُتُبه، وقدمَت علينا رُسُله، وأعذَر إلينا يسألنا نَصَره عَوْدًا وبدءًا، وعلانيةً وسرًّا، فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتِل إلى جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلْنا عنه بألسِنَتِنا، ولا قوّيناه بأموالنا، ولا طلبنا له النُّصرة إلى عشائرنا، فما عُذرنا إلى ربّنا وعند لقاء نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - وقد قُتل فينا ولدُه وحبيبه، وذرّيتهُ ونَسلُه! لا والله، لا عُذرَ دون أن تَقتلُوا قاتلَه والمُوالين عليه، أو تُقتلوا في طلب ذلك، فعسى ربّنا أن يَرضَى عنّا عند ذلك، وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمِن. أيها القوم! ولّوا عليكم رجلًا منكم فإنَّه لابدّ لكم من أمير تَفزَعون إليه، وراية تحفّون بها، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

قال: فبدر القومَ رِفَاعة بن شدّاد بعد المسيّب الكلام، فحَمِد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ قال: أما بعد، فإنّ الله قد هداك لأصوبَ القول، ودعوت إلى أرشَد الأمور، بدأتَ بحمد الله والثناءَ عليه، والصلاة على نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، ودعوتَ إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم، فمسموعٌ منك، مستجابٌ لك، مقبول قولُك؛ قلتَ: ولُّوا أمرَكم رجلًا منكم تَفزَعون إليه، وتحفّون برايته، وذلك رأيٌ قد رأينا مثلَ الذي رأيتَ، فإن تكن أنت ذلك الرجل عندنا مرضيًّا، وفينا متنصّحًا، وفي جماعتنا محَبًّا، وإن رأيتَ رأي أصحابنا ذلك؛ ولّينا هذا الأمر شيخَ الشيعة صاحبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذا السابقة والقَدَم سليمان بن صُرَد المحمود في بأسه ودينه، والموثوق بحزمه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>