مثوبة عند الله لا تَفنى، إنَّ أولياءَ من إخوانكم، وشيعة آل نبيِّكم نظروا لأنفسهم فيما ابتُلوا به من أمر ابن بنت نبيّهم الذي دُعِيَ فأجاب، ودعا فلم يجَب، وأراد الرجعة فحُبِس، وسأل الأمان فمُنع، وترك الناسَ فلم يتركوه، وعَدْوا عليه فقتلوه، ثمَّ سلبوه وجرّدوه ظلمًا وعُدوانًا وغِرَّةً بالله وجهلًا، وبعين الله ما يعملون، وإلى الله ما يرجعون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}[الشعراء: ٢٢٧]، فلما نظر إخوانكم وتدبّروا عواقبَ ما استقبلوا؛ رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزّكيّ الطيّب، وإسلامه، وترك مواساته، والنصر له خطأ كبيرًا ليس لهم منه مخرجٌ ولا توبة، دون قتل قاتلِيه أو قتلهم حتى تفنَى على ذلك أرواحهم؛ فقد جَدّ إخوانكم فجِدّوا، وأعِدّوا واستعدّوا، وقد ضربْنا لإخواننا أجلًا يوافوننا إليه، وموطنًا يَلقَوننا فيه؛ فأما الأجل فغُرّةُ شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، وأمَّا الموطن الذي يَلقَوننا فيه فالنُّخَيلة.
أنتم الذين لم تزالوا لنا شيعة وإخوانًا، وإلا وقد رأينا أن ندعوَكم إلى هذا الأمر الذي أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون، ويُظهرون لنا أنهم يتوبون، وإنكم جُدَرَاءُ بتَطْلاب الفضل، والتماس الأجر، والتوبة إلى ربّكم من الذنب، ولو كان في ذلك حزُّ الرقاب، وقتلُ الأولاد، واستيفاء الأموال، وهلاك العَشائر؛ ما ضرّ أهلَ عذراء الذين قُتلوا ألَّا يكونوا اليوم أحياءً عند رَبّهم يُرزَقون، شهداء قد لَقُوا الله صابرين محتسبين، فأثابهَم ثوابَ الصابرين - يعني حُجرًا وأصحابه - وما ضرّ إخوانكم المُقتَّلين صبْرًا، المُصلَّبِين ظُلمًا، والممثَّل بهم، المعتدَى عليهم، ألَّا يكونوا أحياء مبتليْن بخطاياكم، قد خيرَ لهم فلقوا ربهم، ووفّاهم الله إن شاء الله أجرهم، فاصبروا رحمكم الله على البأساء والضرّاء وحينَ البأس، وتوبوا إلى الله عن قريب؛ فوالله إنكم لأحرياء ألَّا يكون أحدٌ من إخوانكم صبر على شيء من النبلاء إرادة ثوابه إلا صبرتم التماسَ الأجر فيه على مثله، ولا يطلب رضاءَ الله طالبٌ بشيء من الأشياء، ولو أنَّه القتلُ إلا طلبتم رضا الله به، إنَّ التقوى أفضلُ الزّاد في الدنيا، وما سوى ذلك يبور ويفنَى، فلتعزِف عنها أنفسُكم، ولتكن رغبتُكم في دارِ عافيتِكم وجهادِ عدّو الله وعدوّكم، وعدوّ أهل بيت نبيِّكم حتى تقدموا على الله تائبين راغبين، أحيانا الله وإياكم حياة طيّبةً، وأجارنا وإيّاكم من النار، وجعل منايانا قتلًا في سبيله على يديْ أبغض خَلقه إليه