فجلس بكير يومًا في المسجد وعنده ناسٌ من بني تميم، فذكروا شِدّة أمية على الناس، فذمّوه، وقالوا: سلّط علينا الدّهاقين في الجباية وبَحِير وضِرار بن حُصَين وعبد العزيز بن جارية بن قُدامة في المسجد، فنقل بَحِير ذلك إلى أمية فكذّبه فادّعى شهادة هؤلاء، وادّعى شهادة مُزاحم بن أبي المُجشر السلميّ، فدعا أميةُ مزاحمًا فسأله فقال: إنما كان يمزَح، فأعرض عنه أمية، ثمَّ أتاه بحير فقال: أصلح الله الأمير! إنَّ بكيرًا والله قد دعاني إلى خَلعك، وقال: لولا مَكانك لقتلتُ هذا القرشيّ وأكلتُ خُراسانَ، فقال أميَّة: ما أصدَق بهذا وقد فعل ما فعل؛ فآمنتُه ووصَلْته.
قال: فأتاه بضِرار بن حُصين وعبد العزيز بن جارية فشهدا أنّ بكيرًا قال لهما: لو أطعتُماني لقتلتُ هذا القرشيّ المخنَّث، وقد دعانا إلى الفَتْك بك، فقال أمية: أنتم أعلم وما شهِدْتم، وما أظُنّ هذا به وإن تركه، وقد شهدتم بما شهدتم عجزٌ؛ وقال لحاجبه عبيدة ولصاحبِ حَرسِه عطاء بن أبي السائب: إذا دخل بكير، وبدل وشمردل ابنا أخيه، فنهضتُ فخذوهم، وجلس أمية للناس وجاء بكير وابنا أخيه، فلما جلسوا قام أمية عن سريره فدخل، وخرج الناس وخرج بكير، فحبسوه وابنَيْ أخيه، فدعا أمية ببكير فقال: أنت القائل كذا وكذا؛ قال: تَثَبَّت أصلحك الله، ولا تسمعنّ قول ابنِ المحلوقة" فحَبَسه، وأخذ جاريته العارمَة فحبَسها، وحبَس الأحنف بن عبد الله العنبريّ، وقال: أنت ممن أشار على بُكَير بالخَلْع.
فلما كان من الغد أخرج بُكَيرًا فشهد عليه بحيرٌ وضِرار وعبد العزيز بن جارية أنَّه دعاهم إلى خلْعه والفتكِ به، فقال: أصلحك الله! تثبّتْ فإنّ هؤلاء أعدائي، فقال أمية لزياد بن عُقْبة - وهو رأسُ أهل العالية - ولابن والان العدويّ - وهو يومئذ من رؤساء بني تميم - وليعقوب بن خالد الذّهليّ: أتقتلونه؟ فلم يجيبوه؛ فقال لبَحِير: أتقتُلُه؟ قال: نعم، فدفعه إليه، فنهض يعقوبُ بن القَعْقاع الأعْلم الأزْديّ من مجلسه - وكان صديقًا لبُكير - فاحتَضَن أميّة، وقال: أذكّرك اللهَ أيها الأمير في بكير، فقد أعطيتَه ما أعطيتَه من نفسك، قال: يا يعقوب ما يقتله إلا قومه، شهدوا عليه، فقال عطاءُ بن أبي السائب الليثيّ وهو على حَرَس أميّة: خلّ عن الأمير؛ قال: لا، فضَرَبه عطاء بقائم السيف، فأصاب أنفه فأدماه،