قال هشام: حدّثني أبو مِخنَف، عن أبي المُخارق الراسبيّ، قال: لما ولَّى الحجّاجُ المهلَّبَ خرُاسانَ، وعبيد الله بن أبي بَكْرة سجستانَ، مضى المهلَّب إلى خُراسان وعبيد الله بن أبي بَكرة سجستانَ، وذلك في سنة ثمان وسبعين. فمكث عبيد الله بن أبي بَكْرة بقية سنته. ثمّ إنه غزا رُتْبيل وقد كان مصالحًا، وقد كانت العرب قبل ذلك تأخذ منه خرَاجًا، وربَّما امتنع فلم يفعل، فبعث الحجاج إلى عُبيد الله بن أبي بَكْرة أنْ ناجزْه بمن معك من المسلمين فلا ترجع حتى تستبيحَ أرضَه، وتَهدم قِلاعَه، وتَقتُل مُقاتلته، وتَسبي ذرّيته. فخرج بمن معه من المسلمين من أهل الكوفة وأهلِ البَصرة، وكان على أهل الكوفة شُرَيح بن هانئ الحارثيّ ثمّ الضبّانيّ، وكان من أصحاب عليّ، وكان عُبيد الله على أهل البَصْرة، وهو أمير الجماعة، فمضى حتى وَغَل في بلاد رُتْبيل، فأصاب من البقر والغنم والأموال ما شاء وَهدّم قلاعًا وحصُونًا، وغلب على أرض من أرضهم كثيرة، وأصحاب رُتْبيل من الترك يخلون لهم عن أرض بعد أرض، حتى أمعنوا في بلادهم ودنوا من مدينتهم، وكانوا شها ثمانية عشر فرسخًا، فأخذوا على المسلمين العقابَ والشِّعاب، وخلّوهم والرَّساتيق، فسُقط في أيدي المسلمين، وظنوا أنْ قد هلكوا، فبعث ابن أبي بَكرْة إلى شُرَيح بن هانئ: إنّي مصالح القوم على أن أعطِيَهم مالًا، ويخلوا بيني وبين الخروج، فأرسل إليهم فصالحهم على سبعمئة ألف درهم، فلقيَه شُريح فقال: إنك لا تصالح على شيء إلا حَسبه السلطان عليكم في أعطياتكم، قال: لو منُعنا العطاءَ ما حَييِنا كان أهوَن علينا من هلاكنا؛ قال شُريح: والله لقد بلغتُ سنًّا، وقد هلكتْ لِدَاتي. ما تأتي عليّ ساعة من ليل أو نهار فأظنّها تمضي حتى أموت، ولقد كنت أطلب الشهادة منذ زمان، ولئن فاتتني اليومَ ما أخالني مُدْركها حتى أموت، وقال: يا أهل الإِسلام، تعاونوا على عدوّكم؛ فقال له ابن أبي بَكْرة: إنك شيخ قد خَرِفْتَ، فقال شريح: إنما حسبك أن يقال: بُستان ابن أبي بَكْرة وحمَام ابن أبي بَكْرة يا أهل الإِسلام، من أراد منكم الشهادة فإليّ. فأتبعه ناسٌ من المتطوّعة غير كثير، وفرُسان الناس وأهل الحِفاظ، فقاتلوا حتّى أصيبوا إلا قليلًا، فجعل شُريح يرتجز يومئذ ويقول: