فلو كان بكرٌ بارِزًا في أَداتِهِ ... وذي العَرْشِ لم يُقْدِم عليه بَحِيرُ
ففي الدهر إنْ أَبْقَانِيَ الدَّهرُ مَطلَبٌ ... وفي الله طَلَّابٌ بذاكَ جديرُ
وبلغ بَحِيرًا أنّ الأبناء يتوعّدونه، فقال:
توعَّدني الأَبناءُ جَهْلًا كأَنما ... يَرَون فِنائِي مُقْفِرًا من بني كعبِ
رفَعْتُ له كفِّي بحدّ مُهنَّد ... حُسامٍ كلون المِلح ذي رَوْنَقٍ عَضْبِ
فذكر عليّ بنُ محمَّد، عن المفضّل بن محمَّد، أن سبعة عشر رجلًا من بني عوف بن كعب بن سعد تعاقَدوا على الطلب بدمِ خُراسان، فنظر إلى بحير واقفًا، فشدّ عليه فطعنه فصرَعه، فظن أنَّه قد قتله، وقال الناس: خارجيّ، فراكَضَهم، فعثَر فرسُه فنَدر عنه فقُتِل.
ثمّ خرج صَعْصعة بن حُرب العَوْفيّ، ثمّ أحد بني جُندُب، من البادية وقد باع غُنَيْماتِ له، واشترى حمارًا، ومضى إلى سِجستانَ فجاور قَرابةً لبَحِير هناك ولاطَفَهم، وقال: أنا رجل من بني حنيفة من أهل اليمامة، فلم يَزلْ يأتيهم ويجالسُهم حتى أنِسوا به، فقال لهم: إنَّ لي بخُراسان ميراثًا قد غُلبتُ عليه، وبلغني أنّ بَحيرًا عظيمُ القَدْر بخُراسان، فاكتُبوا لي إليه كتابًا يُعينُني على طلب حقي، فكتبوا إليه، فخرج فقَدِم مَرْوَ والمهلّب غازٍ. قال: فلقيَ قومًا من بني عوف، فأخبرَهم أمرَه، فقام إليه مولىً لبكير صيْقَل فقبَّل رأسه، فقال له صعصعة: اتخذ لي خِنْجرًا فعمل له خنجرًا وأحماه وغَمَسه في لَبَنِ أتانٍ مِرارًا، ثمّ شخَص من مَرْوَ فقطع النهر حتى أتى عسكرَ المهلب وهو بأخرون يومئذ، فلقي بَحيرًا بالكتاب، وقال: إني رجل من بني حنيفة، كنتُ من أصحاب ابن أبي بَكْرة، وقد ذهب مالي بسِجِستان، ولي ميراثٌ بمَرْو، فقدِمت لأبيعَه، وأرجع إلى اليمامة.
قال: فأمر له بنفَقة وأنزله معه، وقال له: استعن بي على ما أحببتَ، قال: أقيمُ عندَك حتى يقفُل الناسُ، فأقام شهرًا أو نحوًا من شهر يحضُر معه بابَ المهلَّب ومجلسه حتى عرف به، قال: وكان بحِير يخاف الفَتْك به، ولا يأمن أحدًا، فلما قَدِم صعصعةُ بكتابِ أصحابه قال: هو رجلٌ من بكر بن وائل،