للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، نجد ما مضى من أمْرِكم وما أنتم فيه وما هو كائن؛ قال: أفمسمَّى أم موصوفًا؟ قال: كلّ ذلك؛ موصوف بغير اسم، واسم بغير صفة، قال: فما تجدون صفةَ أمير المؤمنين؟ قال: نجده في زماننا الذي نحن فيه؛ ملك أقرَع، من يقم لسبيله يُصرَع، قال: ثمّ من؟ قال: اسم رجل يقال له الوَليد، قال: ثمّ ماذا؟ قال: رجل اسمه اسمُ نبيّ يفتَح به على الناس، قال: أفتعرفني؟ قال: قد أخْبِرت بك.

قال: أفتعلم ما ألِي؟ قال: نعم، قال: فمن يَلِيه بَعدي؟ قال: رجلٌ يقال له يزيد، قال: في حياتي أم بعد موتي؟ قال: لا أدري، قال: أفتعرف صفتَه؟ قال: يغدر غُدرةً؛ لا أعرف غير هذا.

قال: فوقَع في نفسه يزيدُ بنُ المهلّب، وارتحل فسار سَبْعًا وهو وَجِل من قولِ الشيخ؛ وقَدِم فكَتَب إلى عبد الملك يَستَعفيه من العراق، فكتب إليه: يا بنَ أمّ الحجاج، قد علمتُ الذي تغزو، وأنك تريد أن تَعلَم رأيي فيك، ولَعَمري إني لأرَى مكانَ نافع بنِ عَلْقمة، فالْهُ عن هذا حتى يأتي الله بما هوَ آت؛ فقال الفرزدق يَذكُر مسيرَه:

لو أنَّ طيْرًا كُلِّفتْ مثلَ سَيْره ... إلى واسطٍ من إيلياءَ لمَلَّتِ

سَرى بالمَهارِي منْ فِلَسطينَ بعدما ... دنا الليلُ من شمس النهار فوَلَّتِ

فما عاد ذاك اليومُ حتى أناخها ... بمَيْسان قدْ ملَّتْ سُراها وكلَّتِ

كأنَّ قُطاميًّا على الرّحْل طاويًا ... إذا غمْرةُ الظَّلماء عنْه تجلَّت

قال فبينا الحجّاج يومًا خالٍ إذا دعا عبيدَ بن مَوْهب، فدخل وهو يَنكُتُ في الأرض، فرفع رأسَه فقال: ويحَك يا عُبيد! إن أهل الكتب يَذكرون أنّ ما تحت يدي يليه رجلٌ يقال له يزيد، وقد تذكرت يزيدَ بن أبي كبشة، ويزيدَ بن حُصَين بن نُمَير، ويزيد بن دينار، فليسوا هناك، وما هوَ إن كان إلا يزيد بن المهلب، فقال عبيد: لقد شرّفتَهم وأعظمت ولايتَهم، وإنّ لهم لعَدَدًا وجَلَدًا، وطاعة وحظًّا، فأخلق به، فأجمع على عزل يزيد فلم يَجِد له شيئًا حتى قدم الخيار بن أبي سَبْرة بن ذُؤيب بن عَرْفجة بن محمد بن سُفيان بن مُجاشع - وكان من فُرسان المهلب - وكان مع يزيد - فقال له الحجاج: أخبرْني عن يزيدَ، قال: حَسَن الطاعة، ليّن السيرة، قال: كذبت، أصدِقني عنه، قال: اللهُ أجلّ

<<  <  ج: ص:  >  >>