وعلى الخَراج عثمان بن السعديّ، فلما كان بالطالَقان تلقّاه دَهاقينُ بَلْخَ وبعضُ عُظَمائِهم فساروا معه، فلما قَطَع النهرَ تلقّاه تيش الأعورَ مَلِك الصّغانيانِ بهَدايا ومِفتاح من ذهب، فدعاه إلى بلاده، فأتاه وأتَى ملك كفتان بهدايا وأموال، ودعاه إلى بلاده فمضى مع بيش إلى الصَّغَانيان، فسلَّم إليه بلادَه، وكان ملك أخْرون وشُومان قد أساءَ جوارَ تيش وغزاه وضَيّق عليه، فسار قُتيبةُ إلى أخْرون وشومان - وهما من طخارستان، فجاءه غشتاسبان فصالَحه على فِدْية أدّاها إليه، فَقبِلها قتيبة ورضيَ، ثمّ انصرف إلى مَرْوَ، واستخلفَ على الجند أخاه صالحَ بنَ مسلم، وتقدّم جندَه فسبَقَهم إلى مَرْوَ، وفتَح صالح بعد رجوع قتيبةَ باسارا، وكان معه نصر بن سيّار فأبلى يومئذ؛ فوَهَب له قريةً تُدْعَى تنجانة، ثمّ قَدِم صالح على قُتيبةَ فاستعمَلَه على التِّرمذ.
قال: وأما الباهليّون فيقولون: قَدِم قتيبةُ خُراسانَ سنة خمس وثمانين فعَرَض الجندَ، فكان جميعُ ما أحصَوا من الدرّوع في جُنْد خُراسان ثلاثمئة وخمسين دِرْعًا، فغزا أخْرون وشُومان، ثمّ قَفل فركِبَ السفُن فانْحدَرَ إلى آمُل، وخَلّف الجُنْد، فأخذوا طريق بَلْخ إلى مَرْو، وبلغ الحجّاج، فكَتَب إليه يلومه، ويعجّز رأيَه في تخليفه الجندَ، وكتب إليه: إذا غزوتَ فكنْ في مُقدَّم الناس، وإذا قفلتَ فكن في أخْرَياتهم وساقَتِهم.
وقد قيل: إنّ قتيبةَ أقامَ قبلَ أن يقطَع النهر في هذه السنة على بَلْخ, لأن بعضها كان منتقِضًا عليه، وقد ناصَبَ المسلمين، فحارَبَ أهلَها، فكان ممن سَبَى امرأة بَرْمك، أبي خالد بن بَرْمك - وكان بَرمَك على النُّوبَهار - فصارت لعبد الله بن مسلم الذي يقال له الفقير، أخي قُتَيبة بن مسلم، فوقَع عليها، وكان به شيء من الجُذام، ثمّ إنّ أهلَ بَلْخ صالحوا من غَد اليوم الذي حارَبهم قُتيبةُ، فأمَر قتيبة بردّ السَّبْي، فقالت امرأة برْمك لعبد الله بن مسلم: يا تازِي، إنِّي قد عَلِقْتُ منك، وحضرتْ عبد الله بن مسلم الوفاةُ، فأوصَى أن يُلحق به ما في بطنها، وردّت إلى بَرْمَك.
فذكر أن ولدَ عبدِ الله بن مُسلم جاؤوا أيامَ المهديّ حين قَدِم الرّيّ إلى خالد، فادّعَوْه، فقال لهم مُسلِم بنُ قتيبة: إنه لا بدّ لكم إن استلحقتموه ففعل من أن تُزوّجوه، فتركوه وأعرضوا عن دَعْواهم.