شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين، قدم مُعتجِرًا، فقال الناس: ما قَدِم به الرسول! فدَخل على عمَر بن عبد العزيز بكتاب الوليد يأمره بإدخال حُجَر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد رسول الله، وأن يشتري ما في مؤخَّره ونواحيه حتى يكون مئتي ذراع في مئتي ذواع ويقول له: قدّم القِبْلة إنْ قَدَرت، وأنت تقدر لمكان أخوالك، فإنهم لا يخالفونك، فمن أبى منهم فمرْ أهل المصر فليقوّموا له قيمة عدل، ثم اهدمْ عليهم وأدفَع إليهم الأثمان، فإنْ لك في ذلك سَلَف صِدق؛ عمر وعثمان فأقرأهم كتابَ الوليد وهم عندَه، فأجاب القوم إلى الثمن، فأعطاهم إياه، وأخَذَ في هَدْم بيوتِ أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبناء المسجد، فلم يمكُث إلا يَسيرًا، حتى قدمِ الفَعلة، بَعَثَ بهم الوليد. (٦/ ٤٣٥).
قال محمد بنُ عمَر: وحدّثني موسى بن يعقوبَ، عن عمّه، قال: رأيت عمرَ بن عبد العزيز يَهدِم المسجدَ ومعه وجوة الناس: القاسم، وسالم، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن عبد اللهِ بن عمرَ، يُرُونه أعلامًا في المسجد ويقدّرونه، فأسَّسُوا أساسَه. (٦/ ٤٣٥)
قال محمد بن عمر: وحدّثني يحيى بنُ النعمان الغِفاريّ عن صالح بن كَيْسان، قال: لما جاء كتابُ الوليد من دمشقَ وسار خمس عشرةَ بهدم المسجد، تجرّد عمرُ بنُ عبد العزيز، قال صالح: فاستعملني على هَدْمه وبنائه، فهدَمْناه، بعمّال المدينة، فبدأنا بهَدْم بيوت أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حتى قَدِم علينا الفَعَلة الذين بَعَثَ بهم الوليد. (٦/ ٤٣٥).
قال محمد: وحدّثني موسى بن أبي بكر، عن صالح بن كَيْسان، قال: ابتدأنا بهَدْم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صَفر من سنة ثمان وثمانين، وبَعَثَ الوليدُ إلى صاحب الرّوم يُعلمه أنه أمر بهدم مَسجد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يُعينَه فيه، فبعث إليه بمئة ألفِ مثقال ذهب، وبَعث إليه بمئة عامل، وبعث إليه من الفُسَيْفِساء بأربعين حِمْلا. وأمر أن يتتبَّع الفُسَيْفِساء في المدائن التي خُرّبت، فبعث بها إلى الوليد، فبعث بذلك الوليد إلى عمرَ بن عبد العزيز.
وفي هذه السنة ابتدأ عمرُ بن عبد العزيز في بناء المسجد. (٦/ ٤٣٦).