والطعن في أعين أعدائكم في المواطن العِظام في المشارق والمَغارب ما إنّ المنة علينا فيها عظيمة.
فقال له: اجْلس، فجلس فآمَنه وكفّ عنه، ورجع إلى سليمانَ وسَعى إخوتُه في المال الذي عليه، وكَتب إلى الحجّاج:
إني لم أصِل إلى يزيدَ، وأهلُ بيته مع سليمان، فاكفُف عنهم، والْهُ عن الكتاب إليّ فيهم.
فلما رأى ذلك الحجاج كفّ عنهم، وكان أبو عُيَينة بن المهلّب عند الحجّاج عليه ألف ألف درْهم، فترَكها له، وكفّ عن حبيب بن المهلب.
ورَجَعَ يزيدُ إلى سليمانَ بن عبد الملك فأقام عندَه يُعلِّمه الهَيْئة، ويَصنَع له طيّبَ الأطعمة، ويُهدِي له الهَدايا العِظام، وكان من أحسن الناس عنده منزلةً، وكان لا تأتي يزيدَ بن المهلب هديّة إلا بعث بها إلى سليمان، ولا تأتي سليمانَ هدّيةٌ ولا فائدةٌ إلا بعث بنصفها إلى يزيدَ بن المهلّب، وكان لا تُعجِبه جاريةٌ إلا بعث بها إلى يزيدَ إلا خطيئة الجارية، فبلغ ذلك الوليد بن عبد الملك، فدعا الحارث بن مالك بن ربيعة الأشعريّ، فقال: انطلِق إلى سليمان فقل له: يا خالفةَ أهلِ بيته، إن أمير المؤمنين قد بلغه أنه لا تأتيك هديّة ولا فائدةٌ إلا بعثتَ إلى يزيدَ بِنصْفها، وإنك تأتي الجاريةُ من جوارِيك فلا يَنقضي طُهرُها حتى تَبعَث بها إلى يزيدَ، وقبِّحْ ذلك عليه، وعَيِّرْه به، أتراك مبلّغًا ما أمرتُك به؟ قال: طاعتُك طاعة، وإنما أنا رسول؛ قال: فائْته فقل له ذلك، وأقِمْ عندّه، فإني باعث إليه بهدية فادفعها إليه، وخُذْ منه البراءة بما تَدفَع إليه.
ثمّ أقبلَ فمَضَى حتى قَدِم عليه وبين يديه المُصحَف، وهو يقرأ، فدخل عليه فسلّم، فلم يردّ عليه السلام حتى فرغ عن قراءته، ثمّ رفع رأسَه إليه فكلّمه بكّل شيء أمَرَه به الوليدُ، فتمعَّر وجهُه، ثم قال: أما والله لئن قدرتُ عليكَ يومًا من الدهر لأقطعنّ منك طابقًا! فقال له: إنما كانت عليّ الطاعة.
ثمّ خرج من عندِه، فلما أتى بذلك الذي بعث به الوليدُ إلى سليمانَ، دخل عليه الحارثُ بن ربيعة الأشعريّ وقال له: أعطني البراءَة بهذا الذي دفعتُ إليك، فقال: كيف قلتَ لي؟ قال: لا أعيدُه عالمًا أبدًا، إنما كان عليّ فيه الطاعة،