أمنَعُ المُلوك حصْنًا أرْمي أعلاه، وأنا أشدُّ الناس قوسًا وأشدّ الناس رَميًا، فلا تَبلغُ نُشابتي نصف حِصْني، فما أخاف من قتيبة! فمضى قتيبة من بلْخَ فعبَر النهر، ثم أتى شومان وقد تحصّن مَلِكُها فوضعِ عليه المجَانِيقَ، ورَمى حصنه فهشَمه، فلما خاف أن يظهَرَ عليه، ورأى ما نَزَل به جَمَع ما كان له من مال وجَوْهر فرَمَى به في عَيْن في وَسَط القلعة لا يُدرَك قعرُها.
قال: ثم فَتَح القلعة وخرج إليهم فقاتَلهم فقُتل، وأخذ قتيبةُ القلعة عنوة، فقتَل المُقاتلة وسَبى الذرّية، ثم رجع إلى باب الحديد فأجاز منه إلى كسّ ونَسَف، وكَتَب إليه الحجاج، أنّ كس بكسّ واسِفْ نسَف، وإيّاك والتحويط، ففتَح كسّ ونَسَف، وامتنَع عليه فِرْياب، فحرّقها فسمِّيت المحترِقة، وسرّح قتيبة من كِس ونَسَف أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السُّغد، إلى طرخون، فسارحتي نزل بمرْج قريبًا منهم، وذلك في وقت العَصْر، فانتَبذ الناسُ وشَربوا حتى عبثوا وعاثُوا وأفسدوا، فأمر عبدُ الرحمن أبا مرضيّة - مولىً لهم - أن يمنَع الناس من شُرْب العصير، فكان يضربهم ويكسر آنيتهم ويصبّ نبيذهم فسال في الوادي، فسُمِّي مَرْج النبيذ، فقال بعضُ شعرائهم:
فقَبَض عبدُ الرحمن من طرخون شيئًا كان قد صالَحه عليه قُتيبة، ودفع إليه رُهُنًا كانوا معه، وانصرف عبد الرحمن إلى قتيبة وهو ببُخارَى، فرجعوا إلى مَرْو، فقالت السُّغد لطَرخون: إنك قد رضيتَ بالذلّ واستطبْت الجزْية وأنت شيخٌ كبير فلا حاجةَ لنا بك، قال: فولُّوا من أحبَبْتم، قال: فوَلَّوْا غَوْزَك، وحَبَسوا طرخون؛ فقال طرخون: ليس بعد سَلْب المُلْك إلا القتل، فيكون ذلك بيَدي أحتبّ إليّ من أن يليه مني غيري، فاتّكأ على سيفه حتى خرج من ظَهْره، قال: وإنما صنعوا بطرخون هذا، حين خرج قتيبةُ إلى سِجِستان، وولوا غوزك؟ (٦/ ٤٦١ - ٤٦٣).
وأما الباهليّون فيقولون: حَصَر قتيبةُ ملك شومان، ووَضع على قَلْعته المَجانيق، ووَضَع منجنيقًا كان يسميها الفَحْجاء، فرَمَى بأوّل حَجَر فأصاب الحائط، ورَمَى بآخر فوقَع في المدينة، ثم تتابَعت الحجارةُ في المدينة فوَقَع