يدعوني، فدخلت عليه، فقال: من أنت؟ قلت: من أهل المدينة؛ قال: ما أنزلَك في مَنَازل المُخالِف للطاعة! قلت: إنما مُقامي إن أقمتُ يومًا أو بعضَه، ثم أرجع إلى منزلي وليس عندي خلاف، أنا ممن يُعظم أمرَ الخلافة، وأزعمُ أن من جَحَدها فقد هَلَك، قال: فلا عَليكَ ما أقمتَ، إنما يكره أن يُقيمَ من كان زاريًا على الخليفة، قلت: معاذ الله!
وسمعتُه يومًا يقول: واللهِ لو أعلمُ أنّ هذه الوحْش التي تأمَن في الحَرَم لو نطقتْ لم تقِرَّ بالطاعة لأخرجتُها من الحَرم، إنه لا يَسْكن حرمَ الله وأمنَه مخالفٌ للجماعة، زارٍ عليهم، قلتُ: وفق الله الأمير. (٦/ ٤٦٤ - ٤٦٥).
وكذلك قال محمد بن عمَر: حدّثني موسى بن أبي بكر، قال: حدّثنا صالح بنُ كَيْسان، قال: لما حضر قدوم الوليد أمرَ عمرُ بنُ عبد العزيز عشرين رجلًا من قريش يَخرجُون معه، فيتلقّوْن الوليدَ بنَ عبد الملك، منهم أبو بكر بنُ عبد الرحمن بن عبد الحارث بن هشام، وأخوه محمد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان، فخرجوا حتى بَلَغوا السوَيْداء، وهم مع عمر بن عبد العزيز - وفي الناس يومَئذ دوابُّ وخَيْلٌ - فلقوا الوليدَ وهو على ظَهْر، فقال لهم الحاجب: انزِلوا لأمير المؤمنين، فنزَلوا، ثمّ أمرهم فركِبوا، فدعا بعمَر بن عبد العزيز فسايرَه حتى نزل بذي خُشُب، ثم أحضِروا، فدعاهم رجلًا رجلًا، فسلموا عليه، ودعا بالغَداء، فتغدَّوا عندَه، وراح من ذي خُشُب، فلما دخل المدينةَ غَدا إلى المسجد يَنظرُ إلى بنائه، فأخرج الناس منه، فما تُرِكَ فيه أحدٌ وبقي سعيد بنُ المسيِّب ما يجترئ أحد من الحَرس أن يخرجه، وما عليه إلا رَيْطتان ما تساويان إلا خمسةَ دراهم في مُصَلّاه، فقيل له: لو قمتَ! قال: والله لا أقوم حتى يأتيَ الوقتُ الذي كنتُ أقوم فيه، قيل: فلو سلّمتَ على أمير المؤمنين! قال: واللهِ لا أقوم إليه، قال عمرُ بنُ عبد العزيز: فجعلتُ أعدِل بالوليد في ناحية المسجد رجاءَ ألّا يرى سعيدًا حَتى يقومَ، فحانت من الوليد نَظْرة إلى القِبْلة، فقال: مَنْ ذلك الجالس؟ أهو الشيخ سعيدُ بنُ المسيِّب؟ فجعل عمرُ يقول: نَعَم يا أميرَ المؤمنين ومِنْ حاله ومِنْ حالِه ... ولو علم بمكانِك لقامَ فسلّم عليك، وهو ضعيف البَصَر.
قال الوليد: قد علمتُ حالَه، ونحن نأتيِه فنسلم عليه، فدارَ في المسجد