لأصحابه: ما تَرَوْن؟ قالوا: نَرَى أنْ نقاتِله، قال: لكني لا أرى ذلك، قد عجز عنه من هو أقوَى منا وأشدّ شوْكَةً؛ ولكني أرَى أن نَصرِفه بشيء نؤديه إليه، فنصرِفه عامنا هذا، ونرى رأيَنا، قالوا: ورأينا رأيك، فأقبَل خُوارزم شاه فنزل في مدينة الفيل من وراء النهر.
قال: ومدائن خوارزم شاه ثلاث مدائن يطيف بها فارقين واحد، فمدينة الفيل أحصنهن، فنزلها خوارزم شاه - وقتيبة في هزارسب دون النهر لم يعبره بينه وبين خوارزم شاه نهر بلخ - فصالحه على عشرة آلاف رأس، وعين ومَتاع، وعلى أن يُعينَه على ملك خام جرد، وأن يفيَ له بما كتَب إليه، فقبل ذلك منه قتيبة، ووَفى له، وبعث قتيبة أخاه إلى مَلِك خامِ جرد، وكان يعادى خوارزم شاه، فقاتله، فقتله عبد الرحمن، وغلب على أرضه وقَدِم منهم على قتيبة بأربعة آلاف أسير، فقتَلَهم، وأمر قتيبةُ لمّا جاءه بهم عبد الرحمن بسريره فأخرِج وبَرزَ للناس، قال: وأمر بقتل الأسرى فقتِل بين يديه ألف وعن يمينه ألف وعن يساره ألف وخَلْف ظهره ألف، قال: قال المهلَّب بن إياس: أخِذتْ يومئذ سيوف الأشراف فضُرِبَ بها الأعناق، فكان فيها ما لا يَقطَع ولا يَجرَح، فأخذوا سَيْفي فلم يُضْرَب به شِيء إلا أبانه، فحَسَدني بعضُ آل قتيبة، فغمز الذي يضرب أن أصفح به، فصفح به قليلًا، فوقَع في ضِرسْ المقتول فثَلَمه.
قال أبو الذّيال: والسيف عندي، قال: ودفع قتيبةُ إلى خوارزم شاه أخاه ومن كان يخالفه فقتَلهم، واصطَفَى أموالَهم فبعث بها إلى قتيبة، ودخل قتيبة مدينةَ فيل، فقَبِل من خوارزم شاه ما صالَحه عليه، ثم رَجَع إلى هزارسبَ، وقال كَعْب الأشْقريّ:
رَمَتْكَ فِيلٌ بما فيها وما ظَلَمَتْ ... ورامَها قبلك الفَجْفَاجَةُ الصَّلِفُ
لا يُجْزِئُ الثَّغْرَ خَوَّارُ القَناة ولَا ... هَشُّ المكاسِر والقَلبُ الذي يَجفُ
هل تَذْكُرونَ ليالي التُّرك تقتُلُهُمْ ... ما دون كازَهَ والفَجْفَاجُ مُلتَحِف
لم يركَبُوا الخيلَ إلا بعدما كبروا ... فَهمْ ثِقَال على أَكتافِها عُنُفُ