وإنهم لأعداء لهم ولغيرهم، ولكن لما يريد الله من سَفْك دمائهم فإني والله لا أوتَى بأحد آوَى أحدًا منهم، أو أكْراه مَنزِلا, ولا أنْزَلَه إلا هدمتُ منزلهَ، وأنزلتُ به ما هو أهلُه، ثمّ إنّ البُلدانَ لما مصّرها عمرُ بنُ الخطاب، وهو مجتهِد على ما يُصلِح رعيّته جعل يمرّ عليه من يريد الجهاد فيستشيره: الشام أحبّ إليك أم العراق؟ فيقول: الشام أحب إليّ، إني رأيتُ العراقَ داءً عُضالا، وبها فرّخ الشيطان، والله لقد أَعضَلوا بي، وإني لأراني سأفرّقهم في البُلْدان، ثم أقول: لو فرّقتهم لأفْسَدوا من دخلوا عليه بجَدَل وحِجَاج، وكَيفَ؟ ولِمَ؟ وسُرعَةِ وجيف في الفِتنة، فإذا خُبروا عند السيوف لم يخبر منهم طائل، لم يصلحوا على عثمان، فلقى منهم الأمَرّين، وكانوا أوّلَ الناس فَتَقَ هذا الفَتْقَ العظيم، ونَقَضوا عُرَى الإسلام عُرْوةً عُرْوة، وأنغلوا البُلدان والله إني لأتقرّب إلى الله بكل ما أفعل بهم لِمَا أعرِف من رأيهم ومَذَاهبِهم، ثمّ وليهم أمير المؤمنين معاوية فدامَجهم، فَلم يَصلحوا عليه، ووَليهم رجلُ الناسِ جلدًا فبَسَط عليهم السيف، وأخافَهم، فاستقاموا له أحبُّوا أو كرهوا وذلك أنه خَبَرهم وعرَفَهم.
أيها الناس، إنا والله ما رأينا شِعارًا قطّ مِثلَ الأمْن، ولا رأينا حِلسًا قطّ شرًّا من الخَوْف، فالزَموا الطاعة، فإنّ عندي يا أهلَ المدينة خِبرةً من الخِلاف، واللهِ ما أنتم بأصحاب قِتال، فكونوا من أحْلاس بيُوتكم، وعَضّوا على النواجذ، فإني قد بعثتُ في مجالسكم من يَسمَع فيبلغني عنكم، إنكم في فضول كلام غيرُهُ ألزَمَ لكم، فدعُوا عَيبَ الوُلاة، فإنّ الأمر إنما يُنقض شيئًا شيئًا حتى تكونَ الفتنة وإن الفِتنة مِن البلاء، والفِتَن تَذهَب بالدين وبالمال والوَلَد.
قال: يقول القاسمُ بن محمد: صدَق في كلامه هذا الأخير، إنّ الفتنة لهكذا. (٦/ ٤٨٥ - ٤٨٦).
قال محمد بن عمر: وحدّثني خالدُ بنُ القاسم، عن سعيد بن عمرو الأنصاريّ، قال: رأيتُ مناديَ عثمان بن حيّان ينادِي عندنا: يا بني أمية بن زيد، برئَتْ ذِمة ممن آوَى عِراقيًّا - وكان عندَنا رجلٌ من أهل البصرة له فضلٌ يقال له أبو سَوادةَ، من العُبّاد - فقال: والله ما أحِبّ أن أدخِل عليكم مكروهًا، بلغوني مأمَني؛ قلت: لا خيرَ لك في الخُروج، إنّ الله يَدْفَع عنا وعنك، قال: فأدخلتُه بيتي، وبلغ عثمان بن حَيّان فبَعَث أحراسًا فأخرجْته إلى بيت أخي، فما قَدَروا