للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيوخ من غسان قالوا: إنا لَبثنيَّة العُقاب إذ نحن برجل يشبه الفُيُوج معه عصًا وجِراب، قلنا: من أين أقبلتَ؟ قال: مِن خُراسان؛ قلنا: فهل كان بها من خبَر؟ قال: نعم، قُتل قتيبةُ بن مسلم أمْس، فتعجَّبْنا لقوله، فلما رأى إنكارَنا ذلك قال: أين ترونَني الليلةَ من إفريقيّة؟ ومضى واتبعناه على خيولنا، فإذا شيء يَسبِق الطَّرْف، وقال الطرِمّاح:

لولا فوارسُ مَذْحِجَ ابنةَ مذحجٍ ... والأَزدِ زُعزعَ واستبيح العسكرُ

وتقَطَّعَتْ بهم البلادُ ولم يَؤُبْ ... مِنهمْ إِلى أَهل العراقِ مُخبِّرُ

واسْتَضَلَعَتْ عُقَد الجماعة وازدري ... أمرُ الخليفةِ واستُحِلَّ المنكرُ

قومٌ همُ قَتَلوا قُتيبةَ عَنْوَةً ... والخيلُ جانحةٌ عليها العِثْيَرُ

بالمَرجِ مرج الصِّين حيثُ تَبَيّنت ... مُضَرُ العراق مَنِ الأعَزُّ الأَكبرُ!

إذْ حالفت جزعًا ربيعةُ كلها ... وتفرَّقتْ مُضَرٌ ومَن يَتَمَضَّرُ

وتقَدَّمَتْ أَزدْ العِراق ومذحِجٌ ... للموتِ يَجمعُهَا أَبوها الأَكبرُ

قَحطانُ تضرب رأْس كلّ مدجَّجٍ ... تحمِي بصائرَهُنَّ إذ لا تبصرُ

والأزدْ تعلمُ أنّ تحتَ لوائها ... مُلكًا قُراسيَةً ومَوتٌ أَحمرُ

فبِعِزِّنا نُصِرَ النبيُّ محمَدٌ ... وبنا تثبّتَ في دمشقَ المنبرُ

وقال عبد الرحمن بن جُمانةَ الباهليّ:

كأنَّ أبَا حفص قتيبة لم يَسِرْ ... بجيشٍ إلى جيشٍ ولم يَعلُ مِنبرَا

ولم تخفِقِ الرايات والقومُ حَوْله ... وقوف ولم يَشَهَدْ له الناسُ عسكرَا

دَعَتْهُ المنايا فاستجاب لربِّه ... وراح إلى الجَنَّاتِ عَفًّا مُطَهّرَا

فما رُزِيء الإِسلامُ بعدَ محمّدِ ... بمثلِ أبي حَفْص فبَكّيه عَبْهَرا

يعني أمَّ ولَد له.

وقال الأصمّ بن الحجَّاج يَرثِي قتيبة:

أَلمْ يأْنِ للأَحْيَاءِ أن يَعرفوا لنا ... بلى نحنُ أولَى الناسِ بالمجْدِ والفخرِ

نَقُودُ تميمًا والموالي ومَذْحِجًا ... وأَزْدَ وعبد القيْسِ والحيَّ من بكرِ

نقَتِّل من شئنا بعِزَّةِ مُلكنَا ... ونَجْبُرُ مَنْ شئنا على الخسف والقَسْر

سليمان كم من عسكرٍ قد حَوَت لكمْ ... أسِنَّتُنَا والمُقْرَبَاتُ بنا تجري

وكم من حصون قد أَبَحْنَا منيعةٍ ... ومن بلدٍ سَهْلٍ ومن جبل وعْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>