فسارع الناس إلى الإسلام، فقيل للجرّاح: إنّ الناس قد سارعوا إلى الإسلام، وإنما ذلك نفورًا من الجزية؛ فامتحنهم بالخِتَان.
فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - داعيًا ولم يبعثه خاتنًا، وقال عمر: ابغوني رجلًا صدوقًا، أسأله عن خراسان، فقيل له: قد وجدتَه، عليك بأبي مِجْلَز، فكتب إلى الجرّاح: أن أقبل واحمل أبا مجْلز وخلَّف على حرب خراسان عبد الرحمن بن نُعَيم الغامديّ، وعلى جزيتها عبيد الله - أو عبد الله - بن حبيب.
فخطب الجرّاح فقال: يا أهل خراسان، جئتكم في ثيابي هذه التي عليّ وعلى فرسي، لم أصب من مالكم إلَّا حلية سيفي، ولم يكن عنده إلَّا فرس قد شاب وجهه، وبغلة قد شاب وجهها، فخرج في شهر رمضان واستخلف عبد الرحمن بن نعيم، فلما قدم قال له عمر: متى خرجت؟ قال: في شهر رمضان، قال: قد صدق مَن وَصَفك بالجفاء، هلّا أقمت حتى تُفْطِرَ ثمّ تخرج! وكان الجرَّاح يقول: أنا والله عصبى عقبيّ - يريد من العصبيّة.
وكان الجرّاح لما قدم خراسان كتب إلى عمر: إني قدمت خراسان فوجدت قومًا قد أبطرتهم الفتنة فهم يَنزُون فيها نزوًا، أحبّ الأمور إليهم أن تعود ليمنعوا حقّ الله عليهم، فليس يكفّهم إلَّا السيف والسوط، وكرهت الإقدام على ذلك إلَّا بإذنك فكتب إليه عمر:
يابن أمّ الجرّاح، أنت أحرصُ على الفتنة منهم، لا تضربنّ مؤمنًا ولا معاهدًا سوطَّا إِلّا في حق، واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يَعْلم خائنة الأعيُنِ وما تخْفي الصُدور، وتقرأ كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها.
ولما أراد الجرّاح الشخوص من خراسان إلى عمر بن عبد العزيز أخذ عشرين ألفًا وقال بعضهم: عشرة آلاف من بيت المال، وقال: هي على سلفًا حتى أؤديها إلى الخليفة، فقدم على عمر، فقال له عمر: متى خرجت؟ قال: لأيام بقِين من شهر رمضان، وعليّ دين فاقضِه؛ قال: لو أقمت حتى تفطِر ثم خرجت قضيت عنك، فأدى عنه قومه في أعطياتهم (١). (٦/ ٥٥٨ - ٥٦٠).
(١) قلنا: هذا الخبر الطويل رواه الطبري من طريق المدائني وإن لم يذكر الطبري الواسطة بينه =