الترمذ قد بُنيت بالطبول والمزامير؛ ولا تُفتَح بالبكاء وإنما تفتح بالسيف، فقاتِل إن كان بك قتال، وتركه السبل وأتَى بلاده.
قال: وكان أسد حين مرّ بأرض زَمّ تعرّض للقاسم الشيبانيّ وهو في حصن بزَمّ يقال له باذكر؛ ومضى حتى أتى التّرْمذ، فنزل دون النهر، ووضع سريره على شاطئ النهر، وجعل الناس يعبرون؛ فمن سفلت سفينته عن سفن المدينة قاتلهم الحارث في سفينة؛ فالتقوْا في سفينة فيها أصحاب أسَد، فيهم أصغر بن عيناء الحميريّ، وسفينةُ أصحاب الحارث فيها داود الأعسر، فرمى أصغر فصكّ السفينة، وقال: أنا الغلام الأحمريّ، فقال داود الأعسر: لأمْرٍ ما انتميت إليه، لا أرض لك! وألزق سفينته بسفينة أصغر فاقتتلوا؛ وأقبل الأشكند - وقد أراد الحارث الانصراف - فقال له: إنما جئتك ناصرًا لك؛ وكمن الأشكند وراء دير؛ وأقبل الحارث بأصحابه؛ وخرج إليه أهل التِّرمذ، فاستطرد لهم فاتّبعوه، ونصر مع أسد جالس ينظر؛ فأظهر الكراهيَة. وعرف أنّ الحارث قد كادهم، فظنّ أسد أنه إنما فعل ذلك شفقة على الحارث حين ولّى؛ فأراد أسد معاتبة نصر؛ فإذا الأشكند قد خرج عليهم، فحمل على أهل التِّرمذ فهربوا، وقتِل في المعركة يزيد بن الهيثم بن المنخّل الجرموزّي من الأزْد، وعاصم بن معوّل - وكان من فرسان أهل الشأم - ثم ارتحل أسد إلى بلْخ، وخرج أهل التِّرمذ إلى الحارث فهزموه، وقتلوا أبا فاطمة وعِكْرمة وقومًا من أهل البصائر، ثم سار أسد إلى سَمَرْقند في طريق زَمّ؛ فلما قدم زَمّ بعث إلى الهيثم الشيبانيّ - وهو في باذكر، وهو من أصحاب الحارث - فقال: إنكم إنما أنكرتم على قومكم ما كان من سوء سيرتهم، ولم يبلغ ذلك النّساء ولا استحلال الفُروج ولا غلبة المشركين على مثل سمَرْقند؛ وأنا أريد سمَرْقند؛ وعليّ عهد الله وذمّته ألَّا يبدأك مني شرٌّ، ولك المؤاساة واللطف والكرامة والأمان ولمن معك، وأنت إن غمصت ما دعوتُك إليه فعليّ عهد الله وذمّة أمير المؤمنين وذمّة الأمير خالد إن أنت رميتَ بسهم ألَّا أؤمِّنك بعده؛ وإن جعلتُ لك ألف أمان لا أفِي لك به. فخرج إليه على ما أعطاه من الأمان فآمنه، وسار معه إلى سَمَرْقند فأعطاهم عطاءين، وحملهم على ما كان من دوابّ ساقها معه، وحمل معه طعامًا من بُخارى، وساق معه شاءً كثيرة من شاء الأكراد قسمها فيهم؛ ثم ارتفع إلى ورغْسَر وماءُ سمرقند منها، فسكر الوادي